29 أكتوبر 2025
تسجيلس: يُردد البعض أن ماء زمزم لا فائدة منه إلا إذا تم شربه في محله ( عند بئره) فإذا تم نقله بعيدا تغير ولم تبق؟ ج: الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد. نبذة: زمزم اسم للبئر المشهورة في المسجد الحرام، بينها وبين الكعبة المشرفة ثمان وثلاثون ذراعاً. وهي بئر إسماعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام، التي سقاه الله تعالى منها حين ظمي وهو رضيع، فالتمست له أمه الماء فلم تجده، فقامت إلى الصفا تدعوا الله تعالى وتستغيثه لإسماعيل، ثم أتت المروة ففعلت مثل ذلك، وبعث الله جبريل فهمز بعقبه في الأرض فظهر الماء. وهو سيد المياه وأشرفها وأجلُّها قدرًا، وأحبها إلى النفوس ، و"خير ماء على وجه الأرض"، صحيح الترغيب والترهيب رقم (1161)، بل قال شيخ الإسلام البلقيني رحمه الله تعالى: أنه أفضل من ماء الجنة . كما في سبل الهدى والرشاد. ومن خواصه : أنه يذهب الصّداع. قاله الضحاك رحمه الله تعالى. ومنها: أنه لا يُرفع ولا يغور إذا رفعت المياه أو غارت قبل يوم القيامة. وشاربه يمكنه الاستغناء به عن الطعام، بخلاف سائر المياه، وتُحقَّق به المطالب والآمال الطيبة، عند صلاح قصد شاربه،للحديث "ماء زمزم لما شُرب له " صحيح الجامع الصغير برقم (5502) . أولا : إن البركة التي أودعها الله عز وجل في ماء زمزم للحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ) رواه مسلم (2473) ، وفي رواية البزار والطبراني والبيهقي وغيرهم زيادة: (وشفاء سقم) : انظر: " السنن الكبرى " (5/147) أي شرب مائها يغني عن الطعام ويشفي من السّقام لكن مع الصدق كما ثبت عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه أقام شهراً بمكة لا قوت له إلا ماء زمزم.قال - (ما كان لي طعامٌ إلا ماءُ زمزمَ، فسَمِنْتُ حتى تكسَّرَتْ عُكَنُ1 بطني، وما أجد على كبدي سُخْفَةَ2 جوع) . وقال عليه الصلاة والسلام: «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ3» ، [فَإِنْ شَرِبْتَهُ تَسْتَشْفِي بِهِ شَفَاكَ اللهُ، وَإِنْ شَرِبْتَهُ مُسْتَعِيذًا عَاذَكَ اللهُ، وَإِنْ شَرِبْتَهُ لِيَقْطَعَ ظَمَأَكَ قَطَعَهُ4] أقول هذه البركة عامة تشمل كل زمان ومكان تم تناول هذا الماء فيه فهي في الماء ذاته أينما كان، وأينما تم شربه ، في أي مكان أو زمان ، وعلى أي حال شربها المسلم ، حاجا كان أو معتمرا أو مجاهدا أو قاعدا لعموم الأدلة الواردة في فضله وفوائده وميزاته ، ومنافعه، ومن هذه الأدلة المفيدة لعموم بركته ومنافعه ، وأن هذه البركة والمنفعة ليست حكرا على من شربه في محله عند البئر في البلد الحرام إضافة إلى ما سبق الحديث (ماء زمزم لما شرب له) رواه الإمام أحمد وابن ماجه عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث حسن، ولم يقيده النبي صلى الله عليه وسلم بكونه في مكة " انتهى. ثانيا: لبركته هذه استعمله النبي I والصحابة ( شرابا وطهورا واستشفاء ،كما استعمله جده إسماعيل عليه السلام وأمه هاجر من قبل فقد جعله الله تعالى لإسماعيل وأمه هاجر طعاماً وشراباً في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم: " شرب من ماء زمزم " رواه البخاري 3/492. وثبت عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه أقام شهراً بمكة لا قوت له إلا ماء زمزم. قال العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: تنافس الناس في زمزم في زمن الجاهلية حتى كان أهل العيال يفِدون بعيالهم فيشربون فيكون صبوحاً لهم (شرب أول النهار) ، وقد كنا نعدّها عوناً على العيال، قال العباس: وكانت تسمى زمزم في الجاهلية (شباعة) غسل الملكان قلب النبي صلى الله عليه وسلم في صغره بعدما استخرجاه ثمّ ردّاه، قال الحافظ العراقي رحمه الله: حكمة غسل صدر النبي صلى الله عليه وسلم بماء زمزم ليقوى به صلى الله عليه وسلم على رؤية ملكوت السموات والأرض والجنة والنار؛ لأنّ من خواص ماء زمزم أنه يقوّي القلب ويسكّن الرّوع. وخبر غسل صدر النبي صلى الله عليه وسلم بماء زمزم ثبت من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فرج سقفي وأنا بمكة، فنزل جبريل عليه السلام ففرج صدري، ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيماناً، فأفرغها في صدري، ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا " رواه البخاري 3/429. وقال علي - (: «ثم أفاضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بسجلٍ من ماءِ زمزم فشربَ منهُ وتوضَّأ» رواه عبد الله بن أحمد بإسناد صحيح وكذا سلف هذه الأمة استعملوه شرابا وطهورا واستشفاء فقد ورد عن ابن عباس – رضي الله عنهما : أنه إذا شرب من ماء زمزم قال: اللهم إني أسألك علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً وشفاء من كل داء. وقد دخل ابن المبارك زمزم فقال: اللهم إن ابن المؤمّل حدثني عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ماء زمزم لما شرب له " فاللهم إني أشربه لعطش يوم القيامة.يالله ثالثا: ورد نقل النبي I والصحابة ( لهذا الماء المبارك خارج أرض الحرم فقد ذكر السخاوي - رحمه الله - في المقاصد الحسنة (1/569) :أنه لا أصل لمن يقول بانعدام منافعه إذا تم نقله ، وأن النبي Iكتب إلى سهيل بن عمرو: (إن وصل كتابي ليلا: فلا تصبحن، أو نهارا: فلا تمسين، حتى تبعث إلي بماء زمزم) . وفيه أنه بعث له مزادتين [قال الألباني – رحمه الله تعالى في تخريجه : أخرجه البيهقي بإسناد جيد عن جابر رضي الله عنه. وله شاهد مرسل صحيح في (مصنف عبد الرزاق) (9127) ...] وَفِي تَارِيخِ الأَْزْرَقِيِّ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْجَل سُهَيْلاً فِي إِرْسَال ذَلِكَ إِلَيْهِ، وَأَنَّهُ بَعَثَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَاوِيَتَيْنِ ، أخبار مكة للأزرقي (2/ 50) ولا شك بأن هذه الرسالة: إنما كانت بعد فتح مكة سنة 8 للهجرة لأن سهيلا المذكور إنما أسلم عام الفتح ، وكان Iحينئذ بالمدينة قبل أن يفتح مكة.وهو حديث حسن لشواهده، وأن عائشة رضي الله عنها كانت تحمل – أي تنقله معها حيث انتقلت - وتخبر أنه Iكان يفعله، وأنه Iكان يحمله في الأداوي والقرب، فيصب منه على المرضى ويسقيهم،( [قال الألباني – رحمه الله تعالى - في تخريج ذلك: أخرجه البخاري في (التاريخ) والترمذي وحسنه من حديث عائشة رضي الله عنها وهو مخرج في (الأحاديث الصحيحة) (883) ]) وعند الترمذي أن عائشة رضي الله عنها حملت من ماء زمزم في القوارير، وقالت: حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، وكان يصبّ على المرضى ويسقيهم " رواه الترمذي 4/37. وَأَنَّهُ Iحَنَّكَ بِهِ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا. وفي التراتيب الإدارية نظام الحكومة النبوية(1/ 141) للكتاني– رحمه الله - عن أم معبد قال: مرّ بي بخيمتي غلام سهيل أزيهر ومعه قربتا ماء، فقلت: ما هذا؟ فقال إن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى مولاه سهيل يستهديه ماء زمزم، فإني أعجل السير، لكيلا تنشف القرب. بل إن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قد كان أول من حمل زمزم عند رجوعه من حجَّ البيت تبرُّكًا به واستشفاءً) "الإعلام الملتزَم بفضيلة زمزم"، لأحمد ابن علي الشافعي الغزِّي (ص24) ، و (ص27) ومع مشروعية الاستشفاء بشربها من عموم الأدواء، فإنها كذلك يُسْتشفى بها من أمراض بعينها، ومن ذلك: أنها تُبرد الحُمَّى، لقولِ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَابْرُدُوها بِالْمَاءِ، أَوْ قَالَ: بِمَاءِ زَمْزَمَ5» ، ويكون ذلك الإبراد بصب الماء عند الجَيْبِ6 ، أو بِرَشِّه رشًّا بين يدي المريض وثوبه كما استنبطه الحافظ ابن حجر – رحمه الله حيث قال: (وأَوْلى ما يُحمل عليه كيفية تبريد الحُمّى ما صنعَتْه أسماءُ بنت الصديق رضي الله عنهما، فإنها كانت ترشّ على بدن المحموم شيئًا من الماء بين يديه وثوبه، فيكون ذلك من باب النُّشْرة المأذون فيها، والصحابي - ولا سيما مثل أسماء التي هي ممن كان يلازم بيت النبيِّ صلى الله عليه وسلم - أعلمُ بالمراد من غيرها، ولعل هذا هو السر في إيراد البخاري رحمه الله لحديثها عقب حديث ابن عمر المذكور، وهذا من بديع ترتيبه رحمه الله) . اهـ..انظر: الفتح (10/186) . وفي سبل الهدى والرشاد : قال ابن عباس – رضي الله عنهما -: اشربوا من شراب الأبرار يعني زمزم وأن الرسول إذا أراد أن يتحف الرجل بتحفة سقاه من ماء زمزم. واستنِّ ابن عباس - رضي الله عنهما – بهذه السنة فكان إذا نزل به ضيف أتحفه بماء زمزم. وسئل عطاء عن حمله فقال قد حمله النبي والحسن والحسين رضي الله عنهما. وقال عباد بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم: لما حجّ معاوية حججنا معه، فلما طاف بالبيت صلى عند المقام ركعتين، ثم مر بزمزم وهو خارج إلى الصّفا، فقال: إنزع لي منها دلوا يا غلام، قال: فنزع له منها دلوا، فأتي به. فشرب، وصبّ على وجهه ورأسه، وهو يقول: زمزم شفاء وهي لما شرب له. وهذا الامام وهب بن منبه التابعي الجليل الثقة الحافظ، كان اذا دخل مكة لا ينقطع ماء زمزم عن بيته، وما كان له شراب ولا غسل ولاوضوء الا منه، زيادة حرص منه على التبرك به. وكان الامام العلامة القاضي تقي الدين ابن فهد المكي، ((لا ينفك عن المطالعة والكتابة والقيام بما يهمه من امر عياله، واهتمامه بكثرة الطواف والصوم، وحرصه على الشرب من ماء زمزم، بحيث يحمله معه الى خرج من مكة غالباً)). رابعا: لهذه الآثار السابقة أُثِر عن غير واحد من أهل العلم النص على مشروعية نقل هذا الماء المبارك خارج مكة، وبقاء بركته وخاصيته حتى بعد نقله.وما ذلك إلا استئناسا بهدي المصطفي I ، فقد كان أول من حمله ونقله واستهداه ، وكذلك عمل الصحابة رضي الله عنهم - والتماسا لهذه الخاصية التي خصَّه الله تبارك وتعالى بها دون سائر مياه الأرض ، ومن هؤلاء العلماء – رحمهم الله تعالى – 1-شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد قال:" وَمَنْ حَمَلَ شَيْئًا مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ جَاز فَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يَحْمِلُونَهُ ". 2-وقال الصاوي المالكي رحمه الله: " (ونُدب نقله - يعني ماء زمزم -) وخاصيته باقية خلافا لمن يزعم زوال خاصيته " انتهى." حاشية الصاوي على الشرح الصغير " (2/44) ، ونحوه في " منح الجليل شرح مختصر خليل " (2/273) 3-وقال الشيخ علي الشبراملسي الشافعي رحمه الله: " (قوله: ماء زمزم لما شرب له) هو شامل لمن شربه في غير محله " انتهى. " حاشية نهاية المحتاج " (3/318) . 4-وقال ابن حجر الهيتمي رحمه الله في " تحفة المحتاج " (4/144) : " وأن ينقله إلى وطنه استشفاء وتبركا له ولغيره " انتهى. 5-من المجموع شرح المهذب: "اتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على جواز نقل ماء زمزم إلى جميع البلاد،واستحباب أخذه للتبرك. 6- (وسئل عطاء بن ابي رباح في ماء زمزم يُخرَج به من الحرم؟ فقال: انتقل كعب الاحبار باثنتي عشرة راوية الى الشام يستقون بها)) 7- بل قال الملا علي القاري، رحمه الله:" وأما نقل ماء زمزم للتبرك به فمندوب اتفاقا ". انتهى.مرقاة المفاتيح (9/194) خامسا وختاما : من الموسوعة الفقهية الكويتية: " وَلاَ خِلاَفَ فِي جَوَازِ نَقْل مَاءِ زَمْزَمَ إِلَى الْحِل لأِنَّهُ يُسْتَخْلَفُ، فَهُوَ كَالثَّمَرَةِ." اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ التَّزَوُّدُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَنَقْلُهُ؛ لأَِنَّهُ يُسْتَخْلَفُ، فَهُوَ كَالثَّمَرَةِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ يَزُول فَلاَ يَعُودُ.وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّزَوُّدُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَحَمْلُهُ إِلَى الْبِلاَدِ فَإِنَّهُ شِفَاءٌ لِمَنِ اسْتَشْفَى، ..، وَأَنَّهُ حَنَّكَ بِهِ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا. نسأل الله تعالى الهداية لنا ولسائر الأمة المحمدية ذكورها وإناثها والتوفيق للعمل على ما يحبه ويرضاه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا والصلاة والسلام على سيدنا محمد ومن والاه. هذا وبالله التوفيق ومنه وحده العصمة من الزلل والخطأ والخلل فى القول والعمل. والله أعلم الهوامش: 1 عَكَنَ الشيءُ: إذا تجمَّع بعضُه فوق بعض وانثنى، والعُكْنة: ما انطوى وتثنّى من لحم البطن سِمَنًا. انظر: "المعجم الوسيط"، (عكن) 2 سُخْفَةَ جوع، يعني: رِقَّته وهُزاله، وقيل: هي الخفة التي تعتري الإنسان إذا جاع. انظر: "النهاية" لابن الأثير (2/315) . 3 صحيح الجامع الصغير برقم (5502) . 4 ، قد صحَّحها الحاكم في مستدركه (1/473) ، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما 5 الحديث أخرجه أحمد في مسنده (1/291) ، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما بجزم همّامٍ – أحد رواة الحديث «بِمَاءِ زَمْزَمَ» . 6 الجَيْبُ: جيب الثوب، وهو: ما يُدخل منه الرأس عند لبسه. انظر: "المعجم الوسيط"، (جاب)