13 سبتمبر 2025

تسجيل

حاجتنا لفكر متجدد

04 أغسطس 2012

لقد تغلغل فكر الغرب وثقافته في جسم عالمنا العربي منذ بدأ عصر الاستعمار،حيث انتشر الاستشراق والاهتمام بتراث الأمة الإسلامية بغرض فهم منهجية تفكيرها ، ونقاط القوة والضعف في الشخصية المسلمة ، وكان علينا – بالمقابل - أن نعرف الغرب بطريقة ما . وأن نوجه جهودنا لبيان ما قدمه الإسلام من عطاء للحضارة الإنسانية على مر العصور . ويرى الدكتور محمود حمدي زقزوق- كما يقول د. أنور زناتي في كتابه المهم ( زيارة جديدة للاستشراق – أن الأوروبيين لا يزالون حتى اليوم يستقون معلوماتهم عن الإسلام من كتابات المختصين في هذا المجال من الأوروبيين، وهؤلاء هم بطبيعة الحال من طبقة المستشرقين، هذا فضلاً عما يكتبه بعض الأدباء أو الفلاسفة الأوربيين . ولكن كتابة هذا الفريق الأخير لا تخرج في الغالب عن كونها مبنية على كتابات المستشرقين. ومن حق كل أمة أن تعرف ما يقوله الآخرون عنها في عقيدتها وأخلاقها وحضارتها ونبيها ، والعجيب أننا وجدنا الشرق أصبح يرى نفسه من خلال المرآة الاستشراقية، وراحت انعكاسات الغرب عن شرقنا العربي تغزو مساحات مثقفينا ومفكرينا العرب الذين يبحثون عن جذورهم الفكرية في المرآة التي عكسها مفكرو الغرب ووجدنا أن الاستشراق، واستمرار الاهتمام به تبقى من الأمور التي تثير كثيراً من الجدل حتى يومنا هذا . وقد تصدى كتاب مسلمون كبار من جيل الرواد لهجمات المستشرقين فصدرت كتب مهمة في هذا الصدد منها : كتاب الدكتور محمد محمد حسين (حصوننا مهددة من داخلها أو في وكر الهدامين ) وكتابه ( الاتجاهات الوطنية في الأدب العربي الحديث ) وكتابه ( الإسلام والحضارة الغربية) وكتاب مصطفى الخالدي وعمر فروخ ( الاستعمار والتبشير في البلاد العربية ) وكتب الشيخ محمود محمد شاكر وبخاصة كتابه عن المتنبي ومقدمته التي عنونها ونشرت منفصلة ( رسالة في الطريق إلى ثقافتنا) ثم حذا حذوهم جيل تال من الفلاسفة والباحثين الكبار من أمثال الدكتور قاسم السامرائي والدكتور محمود حمدي زقزوق والدكتور محمد شامة وغيرهم ممن عرف الاستشراق عن قرب وعاش في بلاد الغرب .ولكل منهم بلاؤه المحمود في تجلية صورة الإسلام الحضارية وسماحته وإنسانيته الرفيعة من خلال مؤلفاتهم . إن الاسلام كما يرى المفكرون المسلمون المعاصرون - لا يتخذ مواقف عدائية من حضارات الآخرين بل موقفه غاية في التسامح والتحضر والرقي والمدنية، وكل من يدرك حقائق الإسلام ويقرأ تاريخه العلمي والحضاري بعناية يدرك أن الإسلام كان ولايزال وسيظل منفتحا على كل تطور حضاري يشتمل على خير الإنسان، ولذلك لا صحة إطلاقا لما يردده خصوم الإسلام من أن حضارتنا الإسلامية تتصادم أو تتصارع مع حضارة الغرب، فهذه أوهام تسيطر على عقولهم لكي يجدوا مبررا للمواقف العدائية من الإسلام والحضارة الإسلامية، فالغرب لا بد أن يعيش في مناخ من الصراع والمواجهة مع الآخرين وقد عاش حقبة من الزمن في صراع مع الاشتراكية التي كانت تتجسد في الامبراطورية السوفييتية، وعندما انهار الاتحاد السوفييتي ولم يعد يمثل قلقا وخوفا للغرب بحث الغربيون عن عدو بديل، وقد ساقتهم كراهيتهم المتوارثة للإسلام إلى اعتباره العدو الجديد، وهذا خطأ كبير لأن الإسلام لا يمثل خطراً على أحد. ويجب مطالبة كتاب الغرب بالتعامل بموضوعية مع الإسلام وحضارته بعيدا عن المفاهيم الخاطئة المتوارثة والأحكام المسبقة.. ويقول: كل العقلاء في العالم يؤكدون خطيئة الخلط بين الإسلام والواقع المتدني للعالم الإسلامي المعاصر، فالتخلف الذي يعاني منه المسلمون يعد مرحلة في تاريخهم ولا يعني ذلك بأي حال من الأحوال أنهم سيظلون كذلك إلى نهاية التاريخ، ولا يجوز اتهام الإسلام بأنه وراء هذا التخلف، كما لا يجوز اتهام المسيحية بأنها وراء تخلف دول أمريكا اللاتينية.. فالأمانة العلمية تقتضي أن يكون الحكم على موقف الإسلام من الحضارة مبنيا على دراسة موضوعية منصفة لأصول الإسلام وليس على أساس شائعات واتهامات وأحكام مسبقة لا صلة لها بالحقيقة من قريب أو بعيد " وقد أكدت عدة مؤلفات للأستاذ أنور الجندي أصالة الفكر الإسلامي في عطائه في مجال الفلك والجغرافيا والطب والكيمياء فيما اعترف به المفكرون الغربيون المنصفون من اعتراف بهذا العطاء وكيف قدم المسلمون (المصطلح الشريف) البروتوكول - والترقيم وأسماء النجوم العربية والكسور العشرية ورائدها (البكاشي) وليس مستيقين، وابن حمزة المغربي رائد اللوغاريتمات، وكيف أن الجغرافيا علم عربي أصيل، وكيف سبق ابن خلدون فلاسفة الغرب في اكتشاف علم التاريخ وعلم الاجتماع وكيف اقتحم المسلمون المحيط قبل أن يدخله كولومبس وكيف عرف المسلمون أمريكا قبل أن يعرفها الغرب. وكيف كان الشريف الإدريسي عمدة الجغرافيا عند المسلمين وكيف كان أبو القاسم الزهراوي يجري عمليات جراحة المخ ويستعمل المرقد (البنج) وكيف عرف المسلمون كتابات المكفوفين (طريقة بريل) وكيف كتب المسلمون في الأحكام السلطانية وهي السياسة الشرعية (الماوردي وابن يعلى الفراء الحنبلي). وكيف قدم المسلمون مفهوم العمارة الإسلامية وكيف عرفوا نظرية الدورة الدموية (ابن النفيس) وكيف قاد أحمد بن ماجد السفن ووضع قواعد الملاحة البحرية العالمية، وقد كتب هذا كله قدري طوقان وعبد الحليم منتصر وكثيرون. على أن المنصفين من فلاسفة الغرب ومفكريه قدموا شهادات غاية في الحيدة والعدل والإنصاف كما نرى في كتاب المستشرقة الألمانية زنجريد هونكه : (شمس الإسلام تشرق على العالم) - ط دار الشروق - مصر ، وكتاب (حضارة العرب) للعلامة الفرنسى جوستاف لوبون - ط الهيئة المصرية العامة للكتاب . كما كشف الباحثون أن المسلمين هم الذين وضعوا أصول المنهج التجريبي الذي قامت عليه الحضارة المعاصرة وأنه لم يكن من ذلك شيء قبل نزول القرآن الكريم الذي هدى المسلمين إلى البحث والتجريب وكيف أن التجربة أساسها الاستقراء والقياس وقد ظهر جليًا أن كتاب (المنهج الجديد) لفرنسيس بيكون الذي يعد في الغرب قاعدة العمل التجريبي كله، هذا الكتاب مصدره إسلامي أصلا بل إنه مأخوذ بالنص من الرسالة للإمام الشافعي كما كشف عنه أخيرًا المستشار عبد الحليم الجندي في كتابه (القرآن و المنهج العلمي المعاصر) وذلك بالرغم من تجاهل بيكون للمصدر الإسلامي في كتابه الذي وضع به الأرجانون الجديد على أنقاض أرسطو، وإن هذا المنهج الإسلامي في (التجربة) هو الذي قلب تفكير أوروبا رأسًا على عقب وأخرجها من ظلمات القرون الوسطى بعد ألف عام ومن الرهبانية ومن مفهوم أرسطو في الثبات ومن مفهوم التأملات. وقد أكد المستشار عبد الحليم الجندي بالأدلة الدامغة أن (ارجاتون بيكون) مستمد من رسالة الشافعي التي قامت على رفض المنطق اليوناني المبني على الفروض لا على المدركات الحسية والاستقراء التي أخذها بيكون من الفكر الإسلامي .