11 سبتمبر 2025

تسجيل

العرب وخطورة الجيوش الموازية للجيش الوطني

04 يوليو 2023

قبل اندلاع الصراع المسلح في السودان الشقيق في الخامس عشر من أبريل الماضي، وكاتب هذه الزاوية ينبه القيادات والنخب العربية إلى خطورة الموقف في السودان وأنه سيؤدي إلى كوارث سياسية وأمنية واجتماعية واقتصادية على السودان ومحيطه العربي والأفريقي، وتجاهلت جامعة الدول العربية ما يجري في السودان وكأنه شأن لا يعنيها، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية لم يأخذ ما يجري في السودان بمحمل الجد وتباطأ كعادته في اتخاذ المبادرات في الأزمات، بل إن بعض أركان هذا التجمع متهم بالتورط في الأزمة السودانية. (2) في 2 مايو من هذا العام كتبت في هذه الزاوية محذراً ومنبهاً من خطورة تعدد الجيوش في الدولة تحت أي مسمى كان وقلت «ظاهرة جديدة جدت علينا في الألفية الثالثة إنها ظاهرة تعدد الجيوش في الدولة العربية الواحدة»، هذا العراق الشقيق أصبح تحت رحمة 32 جيشا مسلحا تحت تسميات متعددة، عقيدة تلك الجحافل المسلحة الدفاع عن الطائفة والولاء لزعماء الطوائف لا للدولة العراقية صاحبة السيادة، وتتلقى هذه الجيوش غير النظامية تمويلها من عائدات الدولة «ورأينا ما فعلت هذه الجيوش في العراق في الانتخابات التشريعية الأخيرة كل صاحب جيش غير نظامي يجرب قوته في الشارع ليهدد به الطرف الآخر والكل يهدد الدولة والحال ليس مستقرا رغم الهدوء الخادع. في سوريا خمسة جيوش لدول مختلفة ومتصارعة جيش أمريكي، وجيش روسي، وجيش إيراني، وجيش تركي وجيش كردي إلى جانب جيوش طائفية متعددة والضحية سورية شعبا وسيادة وموارد. واليمن حدث ولا حرج عن تعدد القوى المسلحة ذات الأهداف المختلفة والجيش الوطني هناك بلا راع. وقلت في ذات المقال «السودان اصبح اليوم به أكثر من خمسة جيوش هي جيش تحرير السودان يقوده عبد الواحد محمد نور، ولا أعلم ممن يحررون السودان وهو دولة ذات سيادة!، وقوات درع السودان بقيادة محمد كيكل أبو عاقلة، وجيش العدل والمساواة تحت زعامة جبريل إبراهيم، وجيش الحركة الشعبية قطاع الشمال بقيادة عبد العزيز الحلو، وأخيرا جيش الدعم السريع بقيادة محمد حمدان حميدتي وأصبح هذا الجيش في اشتباك مسلح مع الجيش الوطني ليس من اجل الوطن ولكن من اجل المحافظة على المكتسبات الشخصية لقادته، وبقية الجيوش السودانية آنفة الذكر دخلت هي أيضا في صراع مع الجيش الوطني من اجل الاستبداد بالسلطة والشعب هو الضحية. السودان دولة عربية هامة في خطر داهم، وعلى رأس تلك المخاطر التقسيم إلى دويلات الأمر الذي سيؤدي إلى خسارة بعض دول الخليج العربية التي لديها استثمارات ضخمة في السودان، لكن الأخطر من ذلك التهديدات الأمنية، فإذا كنا نواجه مخاطر في الخليج العربي وبحر عمان والبحر العربي من عمليات تهريب أسلحة ومخدرات ونفوذ قوى أجنبية فلا جدال أننا في الجزيرة العربية سنواجه ما هو أشد خطورة وستكون نقطة انطلاق تلك المخاطر من السودان المقسم لا سمح الله عبر البحر الأحمر الذي لا تزيد المسافة بين شاطئي البحر الأحمر عن 200كم ومع تعدد الجيوش الفردية في السودان كما أشرنا فلا ضابط لتلك الجيوش من أن تكون أداة للمساس بأمن المملكة العربية السعودية ومصر والخليج العربي بصفة عامة. (3) في 20 مايو الماضي كتبت في هذه الزاوية مقال بعنوان «الثالوث الرهيب سيؤدي بالعرب إلى التجزئة والتفكيك»، وحذرت قادتنا العرب الميامين من خطورة تعدد الجيوش في الدولة الواحدة، وقلت إن خطر تلك الجيوش سينقلب على سيادة الدولة ومكوناتها، لقد جاء الدليل الواضح اليوم من موسكو، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين نظم جيشا موازيا لجيش روسيا الوطني وجعل يفغيني بريغوجين قائدا لذلك الجيش ليكون أداته عبر الحدود في مالي في افريقيا وبوركينا فاسو وليبيا والسودان حديثا وسوريا، وكان يمول هذا الجيش غير الرسمي من موارد الاتحاد الروسي وتم إعلان ذلك رسميا في موسكو بأن ميليشيات فاغنر كانت ميزانيتها 1.1 مليار دولار أمريكي. ماذا كانت النتيجة لقد انقلب السحر على الساحر فقام بريغوجين الملقب «بطباخ بوتين» بمحاولة انقلاب على سيده وكاد يطيح به لولا تدخل رئيس روسيا البيضاء لإنقاذ الموقف، لكن الأمر لم ينته في روسيا بعد تلك المحاولة الانقلابية وكل الاحتمالات مفتوحة اليوم. وهذه قوات التدخل السريع في السودان انقلبت على سيدها البشير أولا ومن ثم البرهان والحرب سجال. (4) هنا أتوجه بخطابي إلى المملكة العربية السعودية فهي الدولة القادرة بقيادة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء على وضع نهاية لما يجري في السودان وعدم المساواة بين الجيش الرسمي السوداني بقيادة البرهان وميليشيات التدخل السريع بزعامة محمد حمدان حميدتي ودعوتهما إلى الحوار وجها لوجه، إن ذلك يشكل خطورة على امن المنطقة العربية برمتها ويشكل سابقة يعتد بها لانشقاقات قد تحدث في دولة عربية ومن ثم دعوة الأطراف المتنازعة للحوار وجها لوجه وهذه الطامة الكبرى. إن دعم الجيش الشرعي ضرورة وطنية وقومية وليست محل نقاش. وإنكم سمو الأمير محمد بن سلمان تقفون مع الشرعية في اليمن في مواجهة الخارجين عليها فالسودان لا يقل أهمية بالنسبة لأمن المملكة، وعلى ذلك فنصرة الشرعية السودانية بقيادة الجيش الوطني بقيادة عبد الفتاح البرهان ضرورة أمنية بالنسبة للمملكة وللسودان عموما. آخر القول: الوقت يمر بسرعة البرق والسودان يتمزق وأهله يعانون قسوة الحياة وأعينهم شاخصة نحو أهلهم في الوطن العربي ينادون هل من مغيث؟ أغيثوه أغاثكم الله.