15 سبتمبر 2025

تسجيل

الابتزاز السياسي

04 يوليو 2022

يتطور الابتزاز السياسي مع تطور الأزمنة، ومهما سعينا جاهدين كعرب لانتزاع اعجاب "الخواجة" والحصول على صك الحداثة والبراءة، ستنظرنا دوما قضايا عصرية لتشغلنا عن قضايانا المصيرية. من حق الشعوب في تقرير مصيرها، إلى قضايا تحرير المرأة العربية، فمعاداة السامية، واحتمالية امتلاك الأسلحة النووية، والتطرف الإسلامي، والإرهاب، والشواذ والمثليين، والإجهاض، والاستدامة، واللاجئون، والإساءة للأنبياء والرُسل، ملفات لا خاتمة لها، حتى يُبعث البشر وتفنى الحياة على الكرة الأرضية، فهي قضايا خصبة على أجندة الابتزاز السياسي، وأمامنا خيارات محدودة في مواجهتها: المقاومة أو الامتثال أو الادعاء أننا في طور القيام بالإصلاحات ونحتاج لمزيد من الوقت حفاظا على السيادة والهوية، مع البقاء في دائرة الترقب والحذر وتعزيز التحالفات الدولية. المتعة في هذه اللعبة أن طرق الابتزاز السياسي تتنوع، وأول هذه الطرق وأكثرها قسوة هي فرض صاحب الابتزاز خياراته بالقوة العسكرية، مثال على ذلك غزو العراق بذريعة امتلاك أسلحة نووية؛ ثانيها إرغام الدول على الاقتراض أو دفع مبالغ مالية طائلة على شكل استثمارات مقابل الحماية العسكرية أو الغطاء السياسي، وقد يكون هذا النوع من الابتزاز على هيئة تعويضات مالية ضخمة ويحدث ذلك عندما تتحمل دولة معينة مسؤولية ارتكاب تنظيم إرهابي لجريمة معينة في دولة أخرى على اعتبار أن أفراد هذا التنظيم ينتمون إليها، وهنا تستمر عملة الابتزاز المالي والسياسي، حتى تتحقق الشروط السياسية المطلوبة. وجه آخر من وجوه الابتزاز وهو إدخال الدولة الضحية في دائرة من الشك والارتياب تجعل نظامها غير مدرك تماما لمصلحته فيعمل على تنفيذ الأجندة المطروحة أمامه ويرى فيها فرصة وهي في الحقيقة شرك سيؤدي به إلى التهلكة، وهنا استحضر مراسلات الحسين-مكماهون حيث الثورة على محتل عثماني تمخضت عن استعمار انجليزي وما تلاها بعد ذلك بعقود من تفكيك وتقسيم للدول العربية وفق سيكس-بيكو، ومن ثم تقارب عربي-عثماني، مقابل تحالف عربي- إيراني؛ وكذلك ينطبق هنا مثال أيضًا بعض ثورات الربيع العربي التي أفنت ديكتاتورا وأنجبت آخر ولكنه أكثر فكاهة واتقانًا للكنة الشعبية. وجه رابع من وجوه الابتزاز وهو الأكثر خباثة يتجسد في زرع الوهم بأن سلوكيات الدولة وتوجهات شعبها لا يتماشى مع التطورات والمتغيرات الدولية وأنه لا بد من إحداث التغيير حيث إن القيم السائدة أصبحت بالية ولا تلبي التطلعات العالمية، وهنا تقع الدولة في دوامة قص ما تراه في الدول الغربية ونسخه في مجتمعاتها مع إجراء بعض التعديلات الشكلية. الابتزاز السياسي لعبة أممية لا مفر منها تشارك فيها كافة الدول سواء كانت الجانية أم الضحية، وهي لعبة مشروعة في عالم العلاقات الدولية ولكن الجديد فيها أن ما كان يدور في الماضي بالأروقة الدبلوماسية، أصبح اليوم مكشوفًا بطريقة هزلية وعلنية. والفوز حليف من يتحالف مع المُبتز ويتفق معه على تمثيل دور الضحية من أجل الإيقاع بالضحية الحقيقية.