13 سبتمبر 2025

تسجيل

زمن المشاعر... أين أنت؟!

04 يوليو 2018

لا يستطيع أحد أن ينكر أنه قد خفتت في الآونة الأخيرة شمس العلاقات الاجتماعية المبنية على المشاعر الرقيقة من حب وتسامح وإنسانية، بعد أن أكلت نيران المصلحة طبيعة الحياة وجمالياتها وقيمها الروحية، وهذا – بلا شك – أثر على الوزن النسبي لقيمة المشاعر في التعاملات اليومية، مقارنة بالقيم المادية، فهل حقا كما يدعي الكثيرون أن (عصر المشاعر) انتهى بلا رجعة؟! رغم ذلك الطغيان المادي الذي نلمسه في مظاهر حياتنا المتنوعة وعلى مستوياتها كافة – فإنه لا تستقيم الحياة دون مشاعر، ولا يتمكن مصلح أو قائد من بناء حضارة قوية، إلا وكان عمادها الترابط الاجتماعي القوي القائم على الحب والصفح والاحترام المتبادل. إن المتأمل لسيرة خير من أقام حضارة على وجه الأرض، يجد المشاعر الإنسانية في أرقى صورها، وما أجمل أن نعيش مع ما يرويه لنا أنس بن مالك – رضي الله عنه – حيث يقول: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم - أوسع الناس صدراً، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشيرة، وكان يمازح أصحابه، ويخالطهم ويحادثهم، ويداعب صبيانهم، ويجلسهم في حجره، ويجيب دعوة الحُرّ والعبد، والأمَة والمسكين، ويعود المرضى في أقصى المدينة)، فهو – صلى الله عليه وسلم – يقدم لنا مبادئ الإسلام صورة حية في مراعاة المشاعر. وأتركك – أيها القارئ الكريم – مع ذلك الموقف الراقي، تعيش معه بقلبك قبل عقلك، فقد كان هناك رجل اسمه (زاهر)؛ وهو رجل فقير دميم من أهل البادية؛ يأتي لزيارة النبي؛ ويحرص هذا الرجل على ود النبي أشد الحرص؛ لذا فقد فكان منتظما على فترات أن يزور النبي؛ وكان يأتي لزيارة النبي ومعه أشياء زهيدة جداً يعدها ليهديها للنبي؛ والنبي عند عودة زاهر إلى قبيلته يرد التحية بتحية أعظم منها ؛ فيحمل له من تمر المدينة ونحوه.  وذات مرة جاء هذا الرجل الى بيت النبي؛ فلم يجده؛ فذهب الرجل إلى السوق ليبيع بعض متاعه؛ فلما علم النبي بقدومه؛ لم ينتظره في بيته حتى يعود؛ بل خرج النبي بنفسه يبحث عنه؛ حتى وجده الرسول يقف في السوق يبيع بعض متاعه الذي أحضره لهذا الغرض؛ وكان العـرق يتصبب من زاهر وجاء النبي من خلف زاهر واحتضنه؛ والرجل يريد أن يتخلص ممن احتضنه من خلفه؛ والنبي ممسك به ويمازحه قائلاً: من يشترى هذا العبد؟ فلما التفت زاهر ووجده النبي أخذ يتمسح بظهره في صدر النبي ويقول: إذن تجدني كاسداً يا رسول الله، فيقول له النبي: لكنك عند الله ليس بكاسد؛ أنت عند الله غال؛ ويداعب كل منهما الآخر؛ ثم يصطحبه النبي عائداً به إلى داره يحادثه ويقريه ضيفاً عزيزاً.  ما أرق تلك المشاعر! وما أروع أثرها في النفوس؛ تصنع مجتمعاً منسجماً؛ يسود بين أفراده المحبة والوئام والود؛ وتقرب بين أفراده؛ لتتقدم الأمم.