13 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); كنت منصتا إلى هاتفي المحمول، مساء الثلاثاء الفارط، أستمع إلى إمام الحرم المكي وهو يقرأ التراويح، وأنا أتريّض في المجمع السكني القريب من مطار "إسطنبول" منتظرا وقت التراويح بهذه المدينة الجميلة، وإذ بصافرات سيارات الإسعاف والشرطة، تدوّي من حولي، ما جعلني أفزع وألوذ إلى الشقة التي أقطنها لأبحث عن السبب في مواقع الإنترنت التي لم تخيب ظني، وأبانت في لحظتها عن الهجمات الانتحارية التي ضربت مطار "أتاتورك". المدينة مضت في حركتها بيومها التالي، وكأن شيئا لم يحدث، بيد أن إجراءات الأمن زادت بشكل لافت في محطات "المترو"، الذي نستقله في تنقلاتنا بالمدينة، وكذلك كان التفتيش الدقيق في الأسواق المركزية الكبرى، وبالتأكيد أن نسب السياح في المناطق الشهيرة قلّت بوضوح، ذلك أن شارعا كشارع "الاستقلال" في منطقة "تقسيم" المعروفة، والذي يؤمه بحسب الإحصاءات -في ذروته- قرابة 3 ملايين زائر يوميا، نقص العدد بشكل كبير وقتما زرته خلال الأيام الفارطات.كنت أتساءل عن الهدف من هذه الهجمات التي ضربت تركيا مؤخرا، ففي العام الأخير فقط، شهدت 17 هجمة إرهابية، أسفرت عن مقتل 294 شخصا ونحو ألف جريح. ووقعت الهجمات في كل من "ديار بكر" و"أنقرة" و"بورصا" و"مادرين" و"إسطنبول" و"شانلي أورفا"، وقد تبنى هذه الهجمات كل من تنظيم "داعش"، ومنظمة "حزب العمال الكردستاني" المعارضة، وجماعة "صقور حرية كردستان (TAK)".لوقت كتابة السطور هذه، لم تعلن أي جماعة مسؤوليتها، وإن كانت السلطات التركية ألمحت بأن الهجوم يحمل نَفَس وطريقة "داعش"، وعهدنا بهذا التنظيم المتطرف والمخترق من أجهزة الاستخبارات الروسية والإيرانية، أنها تسارع بإعلان مسؤوليتها -بزهو وغرور وبجاحة- بما فعلت في تفجيرات "باريس" ثم "بروكسل" وغيرهما.يقينا أن من يقف خلف هذه الضربات الإرهابية لتركيا، يحاول تركيعها، وضرب اقتصادها، وأفلحت تفجيرات الثلاثاء الماضي في مطار "إسطنبول" في انجفال كثير من السياح السعوديين والخليجيين عنها، حيث ألغى الكثير من العائلات في بلادنا حجوزاتهم وتحوّلوا إلى أماكن أكثر أمانا. السياحة في تركيا مصدر دخل رئيسي للبلاد، وتصوّروا أن هذا القطاع ضخّ لتركيا ما قيمته 35 مليار دولار من الناتج القومي التركي لعام 2014 وحده، وها هو الآن يتهاوى سريعا بسبب الإرهاب، ويقوّض خطط تركيا، التي تعد الوجهة السياحية السادسة في العالم حاليا، باستقبال 50 مليون سائح سنويا في عام 2023.قبل هجمات مطار "إسطنبول"، قالت وكالة "رويترز" في تقرير لها إن عدد السياح الذين استقبلتهم تركيا هبط أكثر من الثلث في مايو مسجلا أكبر انخفاض في 22 عاما، ووفقا للبيانات الرسمية فإن السياحة هبطت بنسبة 34.7% على أساس سنوي في مايو، حيث وصل 2.49 مليون زائر خلال الشهر. وهذا هو أكبر انخفاض منذ بدء تسجيل البيانات في عام 1994، وظني أن السياحة والاستثمارات العقارية التي جلبت كثيرا من السعوديين والخليجيين لتركيا، ستُضرب في العمق لسنوات قادمة ما لم تتحرك الحكومة التركية سريعا، وتعلن إجراءات جذب جديدة، وبرامج فيها الكثير من التسهيلات والتنازلات، سواء للسياح الذين تحولوا عنها، أم لرجال الأعمال الذين يضعون أيديهم على قلوبهم من ضياع استثماراتهم في تركيا.تحدث بعض المعلقين عن ارتباط تفجيرات "إسطنبول" بعودة العلاقات بين تركيا وروسيا، وثانيا مع إسرائيل، وثالثة متزامنة بإشارات منها لمصر السيسي، ففي ذلك الثلاثاء الأسود 28 يونيو، أعلن في صباحه رسميا عن إعلان إعادة التطبيع مع إسرائيل، بعد فترة قطيعة وصلت حتى 6 سنوات كاملة، عقب الهجوم على سفينة مافي مرمرة، ومقتل 10 من الأتراك، وانتهى مساء ذلك اليوم الأسود بسلسلة تفجيرات مطار أتاتورك الدولي، ليعلق عضو مجلس الشيوخ الروسي، كونستانتين كوساتشيف، إن التفجيرات الانتحارية هي موجهة ضد محاولات تركيا إصلاح العلاقات مع روسيا وإسرائيل.برأيي أن الدولة التي تخترق هذا التنظيم الساذج، هي من وجهتهم لضرب اقتصاد تركيا، فالانتحاريون الثلاثة أتوا من أسابيع طويلة، وقبل الإعلان عن عودة العلاقات، والمقصود من هذه الهجمات إضعاف تركيا اقتصاديا وتركيعها، بسبب مواقفها في القضية السورية، ونحن بانتظار التقارير الرسمية النهائية للحادث من السلطات التركية.للأسف، آلمتني بعض التغريدات والمقالات التي قامت بالشماتة في هذه الحادثة الإرهابية نكاية في تركيا أردوغان، وهم ذات القوم الذين تباكوا على ضحايا "شارلي أبيدو"، في نفاق صفيق لا يمكن لأي رجل يحمل ذرة من مروءة أو إنسانية إلا أن يستهجن هذا الموقف من المرتزقة هؤلاء. كنا أول من استنكرنا الفعل الإجرامي في "باريس" و"بروكسل" وبقية عواصم الغرب التي ضربتها "داعش"، لأننا اكتوينا بها في بلادنا، ونعرف خطورتهم والاستخبارات اللعينة التي تقف خلفهم، ولولا أن قيض الله لنا أمير الحرب على الإرهاب سمو الأمير محمد بن نايف مع رجاله الأشاوس من أبطال الأمن في بلادنا، لكانت الخسائر مضاعفة، ولكنا اليوم كجزائر التسعينيات.تركيا حليف مهم لنا في سوريا، وتصطف معنا ضد الهيمنة الصفوية الإيرانية، وهي تكمل الترس السنّي الذي نتصدره، ومحاولات تركيعها اليوم ليست لصالحنا.