15 سبتمبر 2025

تسجيل

صوت المعدة (1-2)

04 يوليو 2015

يعتبر الفقر سبباً ونتيجة معاً في سلسلة المشكلات التي نعاني ويلاتها والفقر- في نظر الدين الإسلامي- قد يكون معصية يسأل الفرد عن الوقوع فيها، وقد يكون نكبة تسأل الدولة عن ضرورة تلافيها.فالفقر استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم في كل صلواته: (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر".فهو مصيبة يعمل على التخلص منها ومن آثارها جهد المستطاع.فالإسلام يكره الفقر والحاجة للناس، لأنه يريد أن يعفيهم من ضرورات الحياة المادية ليفرغوا لما خلقوا من أجله، ولما هو أليق بالإنسانية وبالكرامة التي خص الله بها بني آدم، فإذا لم يتوفر لهم من ضرورات الحياة ما يتيح لهم فسحة من الوقت والجهد لأشواقهم الروحية ومجالاتهم الفكرية، فقد سلبوا ذلك التكريم، وارتكسوا إلى مرتبة الحيوان، فما هو بالحيوان ولا بالإنسان الكريم على الله، ذلك الذي تشغله ضرورات الطعام والشراب.إن الإنسان خليفة الله في أرضه، لينمي الحياة فيها ثم يجعلنا ناظرة بهيجة ليستمتع بجمالها ونضرتها، ثم يشكر الله على نعمائه التي آتاه.ويكره الإسلام الأثرة وحب الذات التي تكون الفوارق بين أفراد الأمة، فأناس لا يجدون ما يأكلون وأناس لا يعرفون ماذا يأكلون جماعة تعيش مترفة (إنهم كانوا قبل ذلك مترفين) والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "أيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائعاً فقد برئت منهم ذمة الله"، ويقول: "ما آمن بالله من بات شبعاناً وجاره جائع".فالإسلام يكره هذه الفوارق لما وراءها من أحقاد وأضغان تحطم أركان المجتمع لما فيها من إثرة وجشع وقسوة قلب ولما فيها من اضطرار المحتاجين، أما إلى السرقة والغصب وربما الابتذال والذل وبيع الشرف والكرامة وسلوك ما لا ترضاه الكرامة والخلق الكريم.وقد قيل: صوت المعدة أقوى من صوت الضمير وشر من هذا أن يؤدي ذلك الفقر إلى التشكك في القيم الأخلاقية وعدالة مقاييسها وأشرُ من ذلك كله أن يكون الفقر مدعاة للشك في حكمة التنظيم الإلهي للكون والارتياب في عدالة التوزيع الإلهي للرزق وخاصة إذا كان الفقر مدقعاً بجانبه، ثراء فاحش وكان الفقير ساعياً كادحاً والمترف متبطلا قاعدا.لذلك كره الإسلام أن يكون المال دولة بين أغنياء الأمة وألا تجد الكثرة ما تنفق.هذا إذا كان الفقر ناشئاً المال وسوء التوزيع فبغى بعض الناس على بعض وأترقت أقلية في المجتمع على حساب الكثرة، فهذا هو الفقر الذي يثير النفوس ويحدث الفتن والاضطرابات ويقوض أركان المحبة والإخاء بين الناس.وإذا كان الإيمان يقتضي ألا يُقرَر للإنسان ملك وألا يُضاف إليه شيء وأن يكون الملك كله لله، فهو أقل شأناً في هذا الكون الكبير أن يضاف أو يضيف إلى نفسه شيئاً، لأن الناس جميعاً يرقبون عطاء الله (كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا).وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين