18 سبتمبر 2025

تسجيل

عاجلُ البشرى - 2-2

04 يوليو 2014

ان الإنسان ما دام قد أسلم وجهه لله (وجهت وجهيَ للذي فطر السموات والأرض) وأخلص نيته فإن حركاته وسكناته وكل أحواله تحتسب له خطوات في مرضاة الله، وقد يعجز عن عمل الخير الذي يصير إليه لقلة ماله أو حيلته أو صحته ولكن الله المطلع على سرائر النفوس وخباياها يرفع أمثال هؤلاء إلى مراتب العاملين الصادقين. هل سمعت خبر البكَّائين الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم وذلك أن أناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جاؤوه في غزوة العسرة يريدون أن يقاتلوا معه وأن يجودوا بأنفسهم وهي أفضل وآخر ما يملكون غير أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستطع تجنيدهم فعادوا وفي حلوقهم غصة(وأعينهم تفيض من الدمع) لتخلفهم عن ساحة البذل في سبيل الله ونيل شرف القتال مع الرسول القائد الرحيم بالمؤمنين ، فأنزل الله فيهم تخليدا لأمثال هذه النفوس فقال عز وجل(ولا على الذين إذا ما اتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون) ، أترى أن الله يهدر مثل هذا اليقين الراسخ؟ إن النية الصادقة سجلت لهم ثواب المجاهدين لأنهم قعدوا راغمين ومثلهم(رجل قلبه معلق بالمساجد) فهو من أهل المساجد وإن لم يستطع الوصول إليها لعذرما ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام لمن شهد الساحة وقاتل وعرض نفسه للهلاك " إن أقواما خلْفَنا في المدينة ؛ ما سلكنا شِعبا ولا واديا إلا وهم معنا حبسهم العذر. إن من حق الإنسان الفاضل أن يدفع عن نفسه قالة السوء ومن حقه ألا يكسف نور الإيمان الذي بين جنباته وأن تؤخذ عنه الأسوة الحسنة( لتكونوا شهداء على الناس ) ومن ثم فصلته بالناس يجب أن تظهر بالبر بينهم وأن يعلن أمامهم أنه عبد لله وأنه قرر أن يسير باسمه في كل درب يرضاه (قل هذه سبيلي) . إن حرص المؤمن على إعلان ما يؤمن به فرض واجب مع صيانة سمعته من أي غبار وقد استوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم نفرا من أصحابه رأوه مع إحدى زوجاته فناداهم وأفهمهم أنها فلانة زوجته ( وكانت حفصة رضي الله عنها ) حتى لا يظنوا به ظن السوء مع أنه صلوات الله عليه وسلامه فوق التهم . إن سرور المؤمن إذا عرف عنه من خير شي طبيعي بعد أن أدى الخير بنية خالصة، وقد تحدث الصحابة عما يعالج نفوسهم من هذا النوع فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تلك عاجل بشرى المؤمن" . إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من فارق الدنيا على الإخلاص فلا يضيره ما فقد ولا يحزنه ما قدم ، ألا ما أحسن الإخلاص وأغزر بركتة ؛ إنه يخالط القليل فينميه حتى يزن الجبال ويخلو منه الكثير فلا يزن عند الله مثقال ذرة. لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(اخلص دينك يكفك العمل القليل) ويظهر أن تفاوت الأجور التي رصدت للحسنات من عشرة أضعاف إلى سبعمائة ضعف يعود إلى سر الإخلاص الكامن في سويداء القلوب وهو مالا يطلع عليه إلا عالم الغيب والشهادة ، فعلى قدر نقاء السريرة وصفاء النية وسعة النفع تكتب الأضعاف المضاعفة.وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين