14 سبتمبر 2025
تسجيلالجولة الخامسة لكيري في المنطقة. لم تحقق شيئا على صعيد إنجاز التسوية بين الفلسطينيين وإسرائيل. عاد الوزير الأمريكي خالي الوفاض بعد محادثات مكوكية له مع نتنياهو وعباس! كما جاءت استقالة رامي الحمدلله رئيس الوزراء الفلسطيني بعد أسبوعين على عمل حكومته. لتفتح الباب واسعاً على أزمة النظام السياسي الفلسطيني برمته، فاستقالته لم تكن مفاجئة بسبب التنازع على الصلاحيات مع نائبيه. وهي نفس الأسباب التي كان عباس قد استقال بسببها في عام 2003. واعتكف بعدها في بيته.ذات الأسباب أيضاً كانت وراء استقالة فياض. بداية:فإن العنوان الأبرز للأزمة هو:أن النظام السياسي الفلسطيني يقع تحت الاحتلال. وهذا ما يعمل على خلق إشكاليات حقيقية أمامه، تؤدي إلى تحديد مكوناته،وحركته التي تظل مقترنة بواقع قوانين الاحتلال.وسيطرته الفعلية على جزء كبير من الموارد المالية للنظام. والكثير من التقييدات الأخرى السياسية، فزيارة أي مسؤول عربي أو دولي لرام الله. مرهونة بقرار الرفض أو القبول من سلطات الاحتلال.الاحتلال يؤثر مباشرة وبطريق غير مباشر أيضاً على كل نشاطات السلطة الفلسطينية.هذا هو الجانب الموضوعي الأبرز في الأزمة.أما الجوانب الذاتية في بنية النظام السياسي فتتلخص في جوانب عديدة أبرزها:غياب حدود الصلاحيات بين رئيس السلطة من جهة،وبين رئيس الحكومة والوزراء. الأمر الذي يوضح أن شكل السلطة: أنها مزيج من النظامين:الرئاسي والبرلماني وليست هذا أو ذاك،فلطالما تنازع عباس مع سلام فياض من أجل السيطرة على الأجهزة الشُرَطية والأمنية. وعلى المسائل المالية وعلى القرارات السياسية. الجانب الثاني في الأزمة:ناتج عن تبعات الانقسام الفلسطيني،وفشل كافة الاتفاقيات الموقعة بين حركتي فتح المتمثلة في السلطة الفلسطينية في رام الله،وحماس المتمثلة في سلطة غزة وحكومتها المقالة(الفاعلة في القطاع حتى اللحظة) فأي نظام سياسي هذا المقسم ليس سياسياً فحسب وإنما بالمعنى الجغرافي أيضاً في ظل اتفاقيات عديدة موقعة بين الحركتين لا يجري تنفيذها،الأمر الذي يترك بصماته الواضحة على هذا النظام الواقع بشقيه تحت الاحتلال. الجانب الثالث في الأزمة هو:وصول مفاوضات العشرين عاماً مع العدو الصهيوني إلى طريق مسدود. فالطرح الإسرائيلي واضح وصريح:مفاوضات في ظل الاستيطان المتغول الدائم. وفي ظل اشتراطات إسرائيلية:الاعتراف بيهودية الدولة،ولاءات إسرائيلية رافضة لكافة الحقوق الوطنية الفلسطينية.في آخر تصريح لرئيس السلطة محمود عباس(الأربعاء 26 يونيو الماضي) قبيل زيارة كيري الجديدة إلى المنطقة. أبدى استعداده للذهاب إلى المفاوضات مع الكيان الصهيوني شريطة أن يكون لديه الاستعداد للبحث مباشرة في حل الدولتين،أي الموافقة على قيام دولة فلسطينية على كامل حدود عام 1967. نتنياهو يتحدث عن دولة فلسطينية عتيدة منزوعة السلاح. لكن هذا هو للاستهلاك الإعلامي وفقا بين مسؤولون في حكومته. يجمعون على أن قيام دولة فلسطينية هو أمر مستحيل. من هؤلاء المسؤولين:وزير الاقتصادي نيفتالي بينيت رأس الطرف الثاني في الائتلاف. وزير الخارجية السابق الفاشي ليبرمان. داني دانون نائب وزير الحرب. محمود عباس حدد خياراته الإستراتيجية بالمفاوضات فقط، ألغى من قاموسه كل الخيارات الأخرى. وعلى رأسها المقاومة المسلحة،الأمر الذي أضعفه كثيراً(وبالتالي أضعف النظام السياسي الفلسطيني برمته) وهو ما ساعد على تصعيد الشروط الإسرائيلية. فما من ضاغط على الكيان الصهيوني للاعتراف بأيٍّ من الحقوق الفلسطينية. عباس متفائل بجولات كيري وبالضغوطات الأمريكية والدولية على الكيان للاعتراف بالحقوق الفلسطينية، وهذا محض وهم، فالولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية عموماً. هي طرف رئيسي يصطف إلى جانب إسرائيل في الصراع الفلسطيني العربي-الصهيوني.عباس إما أنه لم يستوعب الحقيقة الأكيدة التي أثبتت صحتها وموضوعيتها على مدى عقود عديدة(هي السنوات التي مضت على إنشاء الكيان)وهي:أنه لا يمكن للولايات المتحدة أن تكون وسيطاً نزيهاً بين العرب والكيان الصهيوني.وهذه مصيبة. أو أنه لا يستوعب الحقيقة وهنا المصيبة أعظم. المسألة الرابعة من الأزمة هي:المالية. فالعجز الاقتصادي الفلسطيني ارتفع ليصل إلى ما يزيد عن خمسة مليارات دولار، والأزمة لا يجري علاجها،بل تُرّحَل من شهر إلى آخر.وما كان لاتفاقية غاية في السوء وهي اتفاقية باريس الاقتصادية التي جعلت من الاقتصاد الفلسطيني مسماراً في عجلة الاقتصاد الإسرائيلي ومُلحقاً تابعاً له...ما كان لهذه الاتفاقية سوى إنتاج الأزمات المالية المتفاقمة للسلطة.وهذا وسط وجود تضخم هائل في عدد الموظفين الذين يزيد عن(160)ألفاً، ووسط مظاهر فساد كثيرة يعترف بها المسؤولون الفلسطينيون أنفسهم. القضية الأبرز على هذا الصعيد هي:أن المجال الوحيد لتجاوز هذه الأزمة هو زيادة حجم المساعدات المالية العربية والدولية للسلطة، وليس اعتماداً على مصادر الدخل الفلسطينية،والتي هي الأخرى في جزءٍ أساسي منها مرتبطة بالكيان الصهيوني الذي يقوم بتحصيل الجمارك على البضائع الواردة لمناطق السلطة، وفي كثير من الأحيان تقوم إسرائيل بحجز هذه الأموال وعدم توريدها إلى السلطة إلا بتنازلات سياسية من قبلها.تبقى فقط الضرائب المتعددة والكثيرة التي تجنيها السلطة من مواطني الضفة الغربية. وهذه لا تكفي إلاّ إلى سد احتياجات قليلة من نفقات السلطة. الجانب الخامس يتمثل في أنه:لا وجود للفصل بين السلطات الثلاث.السلطة التشريعية منتهية ولايتها منذ ست سنوات وهي معطلة بالكامل.السلطة التنفيذية تتدخل في الأخرى القضائية،الأمر الذي يساعد على خلط الحابل بالنابل،ويؤدي إلى ضياع الفواصل في الأداء السياسي للسلطة التنفيذية. المبنية أساساً على تفرد رئيس السلطة بالقرارات السياسية. ثم إن هناك جوانب عديدة مثل:إن البرنامج السياسي للسلطة المتلخص في إقامة دولة فلسطينية على كامل حدود عام 1967. دولة مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشريف،لا يرتبط في أساسه على العامل الفلسطيني. بمعنى الوصول إلى ميزان قوى مع الكيان يفرض عليه الاعتراف بالحقوق الفلسطينية وإقامة هذه الدولة العتيدة،وإنما ونتيجة لتوقيع اتفاقيات أوسلو المشؤومة، تم ربط تحقيق هذا المشروع بالموافقة الإسرائيلية وهذا لم يحدث. ولا يحدث. ولن يحدث.الأمر الذي يستدعي بناء إستراتيجية فلسطينية جديدة متوائمة مع المخاطر الصهيونية.إستراتيجية تعتمد على النهج الأساس في إجبار الدولة الصهيونية على الاعتراف بحقوق شعبنا الفلسطيني وحقوق أمتنا العربية أيضاً،ألا وهو الكفاح المسلح. ثم المطالبة بتبني هذا النهج على الصعيد العربي أيضاً. يبقى القول :أن الرئيس عباس وإذا ما ظل ملتزما بخياره التفاوضي الوحيد فإن أزمة نظامه السياسي ستتحول إلى مأزق حقيقي للسلطة. وستزداد الأزمات التي ستواجهها.