25 سبتمبر 2025

تسجيل

عتمة ما قبل الفجر في سوريا

04 يوليو 2012

يبدو أن قدر الثورة السورية أن تدفع ثمنا أكبر من غيرها من ثورات الربيع العربي من التضحيات، وأن يطول أمد نضالها أكثر من مثيلاتها، وأن تتعقد مسألة بلوغها لغاياتها المنشودة مقارنة بنظيراتها.. كل ذلك رغم مرور قرابة عام ونصف العام على انطلاقتها، وتقديم نحو خمسة عشر ألف شهيد، وعشرات الآلاف من المعتقلين والجرحى، ومئات الآلاف من النازحين واللاجئين المنكوبين، فضلا عن المجازر المروعة، وتدمير البيوت، وحرق المزارع، وانتهاك الأعراض.. والسؤال الذي يطرح نفسه: أما لهذا الليل من آخر؟ وهل لعذابات الشعب السوري من نهاية؟ وهل من عوامل مؤثرة، يمكنها أن تنهي وجبات القتل اليومي التي ينفذها جيش وشبيحة النظام وتخفف من معاناة الجماهير الصابرة المصابرة، وتصل بالثورة إلى مشارف النصر وكسر شوكة الظلمة؟   واضح أن الشعب السوري ماض في ثورته مهما بلغت الضريبة والثمن، ومهما عزّت التضحيات المقدمة، دون تراجع خطوة واحدة للخلف، وبالمقابل فإن النظام ماض في قمعه الوحشي ومجازره وسياسة الأرض المحروقة لمواجهة الشعب الثائر، دون أن تكون لديه أي خطوط حمراء، لأن المسألة بالنسبة له مسألة حياة أو موت. وواضح أيضا أن لا نظام أو مجموعة دولية تبنت أو تتبنى هذه الثورة أو تقوم بدعمها دعما حقيقيا، رغم استغاثات السوريين وطلبهم للنصرة مرارا وتكرارا من العرب والمسلمين وأحرار العالم، كان الشعب السوري يأمل في أن تقف تركيا إلى جانبه، ويرجو أن تحوّل المملكة العربية السعودية رغبتها بتسليح المعارضة والجيش الحر إلى فعل حقيقي، كان وكان.. وبالمقابل يلقى النظام دعما قويا وكبيرا، ماديا ومعنويا من كل من إيران وروسيا والصين والعراق ومن حلفائه بلبنان مالا وسلاحا، ومعدات وخبراء.. ويغضّ الغرب المنافق الممالئ للكيان الصهيوني الطرف عن جرائمه إرضاء للأخير، ويجد في تصلب روسيا ومبادرات كوفي عنان عذرا له عن القيام بعمل مؤثّر من شأنه أن يضعضع النظام أو يسقطه. يئس أهل سوريا من الحلول السياسية والمبادرات الدبلوماسية لأن النظام على مدار أشهر لم يلتزم بالعربية أو الأممية منها (مبادرة الجامعة العربية، ومبادرة كوفي عنان)، ولم يف بتطبيق بند من بنودها، بل كان يتخذها مطية لألاعيبه ومكره وخداعه، وكسب الوقت في محاولة عبثية للقضاء على الثورة والثوار، واتضح زيف جهود الدبلوماسية الدولية في "مؤتمر مجموعة العمل ضد سوريا" الأخير بجنيف، ويمكن اختصارها وفق تقييم الرئيس السابق للمجلس الوطني السوري برهان غليون بقوله: "ما حصل في جنيف كان مهزلة بالمعنى الحرفي للكلمة، قبل فيها أعضاء مجلس الأمن الإملاء الروسي وتخلوا عن واجبهم تجاه الشعب السوري وتركوه وحيدا أمام جلاديه". أمام هذا الواقع بكل مصاعبه وتحدياته، والذي انقطعت دونه السبل، ليس أمام الشعب السوري البطل المصابر من خيار سوى حسن التوكل على الله، والثقة بنصره، واستمداد العزم منه وحده، والاعتماد على نفسه، ونفسه فقط، دون انتظار عون أو منّة من أحد، وكم أعجبتني تسمية الجمعة الأخيرة، التي تستلهم هذه المعاني ألا وهي: جمعة "واثقون بنصر الله "، كما أعجبني من قبلها هتاف المتظاهرين: "يا الله منّا غيرك يا الله"، ولعل أهل الداخل يعلمون أكثر من غيرهم أن بطش النظام واستخدامه للطائرات وسياسة الأرض المحروقة علامة على الوهن الذي وصل إليه، كما يعلمون أن نسبة كبيرة من الأرض لم يعد له سيطرة عليها، ربما بنسبة تصل لستين أو سبعين بالمئة على أقل تقدير، وأن جيشه منهك محبط، وأن اقتصاده ينحدر ويتضعضع، وأن النصر صبر ساعة، لمن يتماسك ويتجلد. أما الآليات التي يجب أن يركز الثوار عليها فهي: ـ تقوية الصف الداخلي والتنسيق والتعاون الوثيق بين تنسيقيات الداخل فيما بينها، وبين المجلس الوطني وتنسيقيات الداخل، وبين الجيش الحر والمجلس، وبين الجيش والتنسيقيات، والتركيز على ما يجمع أكثر مما يفرق ويشتت. ـ زيادة زخم المظاهرات الشعبية في كافة المدن بآن معا، وزيادة أشكال الضغط الجماهيري الأخرى كالإضرابات والاعتصامات وصولا إلى العصيان المدني. ـ التركيز في دعم الجيش الحر، ووصول السلاح النوعي له لمواجهة عربدة النظام، ولتنفيذ عمليات نوعية ضد أجهزته العسكرية والأمنية، تلقي الرعب في قلب عناصره وشبيحته. ـ التركيز على حثّ الناس على الانشقاق عن أجهزة النظام المدنية والعسكرية والانفكاك منه لخلخلته، وخاصة أصحاب المناصب والرتب العالية، والمسؤولين في المؤسسات الإعلامية والدبلوماسية. ـ تقوية إعلام الثورة ونشاطها الاتصالي من أجل فضح جرائم النظام الإنسانية والكشف عن أكاذيب مسؤوليه وأجهزة إعلامه بالحقائق والأرقام والوثائق والحقائق، وإبراز تضحيات الثائرين ومكامن قوتهم. ـ حشد جهود الجاليات السورية ونخبها في الخارج لدعم حراك الثورة ماليا وسياسيا وإعلاميا وإغاثيا. ـ حشد جهود الشعوب العربية لتنظيم المظاهرات المتواصلة أمام سفارات روسيا وإيران في بلدانهم والعالم غضبا للدم السوري، ومقاطعة المنتجات الصينية، وإقامة الفعاليات النقابية والبرلمانية والشعبية، وتنظيم حملات المناصرة، وإرسال رسائل الاحتجاج عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها. لعلها عتمة ما قبل الفجر بكل ظلمتها الدامسة، والرجاء بالله أن يتلوها فجر الحرية في سوريا عاجلا غير آجل.