15 سبتمبر 2025

تسجيل

في ذكرى التفجيرات النووية الباكستانية

04 يونيو 2024

كانت زيارتي إلى إسلام آباد يوم الثامن والعشرين من مايو/ أيار الماضي، فوجئت بإعلان عطلة رسمية لليوم نفسه، لم أكن قد انتبهت إلى دلالة التاريخ، وهو يوم التفجيرات النووية الذي جرى في عام 1998، والذي أطلقوا عليه يوم التكبير، وعلى الرغم من أنه لم يسبق أن أعلنت باكستان عطلة رسمية في مثل هذا اليوم احتفالاً بالتفجيرات النووية، إلا أنها أعلنتها اليوم. عادت بي الذاكرة إلى ذلك التاريخ يوم كنت أعمل في صحيفة الحياة اللندنية، وكنا نتابع يومها بدقة وحذر وشغف وحماس الرد الباكستاني على التفجيرات النووية الهندية التي جرت قبلها بيوم أو يومين. كانت نيودلهي قد أجرت قبلها بعقدين ونصف العقد، ثلاثة تفجيرات نووية، حين فجرت قنبلتها النووية عام 1974 تحت عنوان ( ابتسم بوذا ). تعرضت حكومة نواز شريف قبل إقدامها على التفجيرات النووية إلى ضغوطات أمريكية ضخمة وتحديداً من إدارة الرئيس بيل كلينتون الذي استخدم بحقها سياسة العصا والجزرة، أملاً في ثنيها عن قرارها الاستراتيجي، الذي كان قراراً شعبياً أولاً وأخيراً. لم تُصغ باكستان لكل هذه التهديدات والترغيبات الأمريكية، فاتفقت القيادة العسكرية والسياسية على ضرورة الرد على التفجيرات النووية، لكونها فرصة ذهبية للبلاد في إعلان نفسها كدولة نووية، وإلاّ فستظل تخضع للابتزاز الهندي النووي طوال حياتها، وعلى الرغم من الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية وغيرهما من الضغوط التي تعرضت لها الحكومة الباكستانية، إلاّ أنها اتخذت قرارها الاستراتيجي والأخير، بإجراء خمسة تفجيرات نووية ردا على ثلاثة تفجيرات نووية هندية. كان الشارع الباكستاني يومها مفعماً بالوطنية والحماسة تجاه باكستان، وتجاه أبو المشروع النووي الباكستاني عبد القدير خان، والذي تحوّل إلى مشروع وطني، قبل أن يذوي بعد الاتهامات التي طالته عن تسريب معدات وأدوات نووية حساسة إلى دول أخرى، فوضعه الرئيس الباكستاني برفيز مشرف بعد التدخل الأمريكي إلى أفغانستان 2001 تحت الإقامة الجبرية، وأرغمه حينها، على الظهور على التلفزيون الباكستاني مقراً بذلك ومطالباً بالاعتذار، وهو ما ضرب شخصية وطنية باكستانية بالصميم، ورحل خان بعدها بسنوات، وبالتأكيد في نفسه الكثير من الغصات والمرارات، لاسيما حين يقارن نفسه مع أبو الكلام آزاد أبو المشروع الصاروخي الهندي الذي كوفئ بالرئاسة الهندية، على الرغم من كونه مسلماً في بلد هندوسي. اليوم بعد هذه السنين الطويلة على التفجيرات النووية الباكستانية، كيف تبدو باكستان مقارنة بخصمها النووي الهندي، الذي يهددها اليوم في ظل سياسة النقاء العرقي والطائفي الذي اقتفته حكومة نانيندرا مودي، وهو الذي يخوض انتخابات جديدة، حيث يتوقع أن يفوز بمرحلة رابعة، بينما باكستان تتقاذفها خلافات سياسية وحزبية عميقة، لاسيما في ظل سجن زعيم المعارضة الباكستانية عمران خان بتهم عدة، بعد أن تجرأ هو وحزبه وأحزاب باكستانية أخرى تبعته في الأثر، بالمطالبة الواضحة للجيش الباكستاني بالتوقف عن التدخل في السياسة الباكستانية، وظهور تصريحات عدائية من قبل جماعة خان، مما خلق حالة شعبية باكستانية من التجرؤ على الجيش الباكستاني، لم تعهده باكستان من قبل. باكستان اليوم على مفترق طرق حقيقي، إن كان من حيث العلاقة بين المدني والعسكري، أو من حيث الواقع الاقتصادي الضاغط على الشعب الباكستاني، بعد أن وصل الدولار إلى ما يقارب المائتين والثمانين روبية باكستانية، فضلاً عن أزمات اقتصادية مزمنة في ظل الفساد المستشري في البلاد، وعجز كل الحكومات المتعاقبة على فتح صندوق باندورا من المفاجآت على نفسها، ولعل أكثر القضايا ضغطاً على باكستان، هو في المزاج الشعبي العام الذي استطاع من خلاله زعيم حزب الإنصاف الباكستاني عمران خان صنعه اليوم، وهو المزاج المطالب بفصل العسكر عن السياسة، وبشكل علني وواضح ودون لُبس، وهو الأمر الذي لم يكن أبداً حاضراً أو مفكراً به قبل سنوات فقط. هذا الواقع الجديد يفرض حياة سياسية واجتماعية واقتصادية جديدة على العسكر بشكل عام الذين استأثروا بالسلطة لأكثر من نصف حياة البلاد القصيرة، والمستقلة منذ عام 1947، ولذلك فهو تحد كبير في كيفية الخروج من مأزق كان الجيش بالأمس الآمر والناهي للباكستانيين، ليصبح اليوم محل شك وخلاف، بل ومحل نقد عنيف، بينما يرى محللون وخبراء آخرون بأن البلد يعاني من أزمة النخب السياسية الفاسدة، مما يجعل الأزمة غير مقتصرة على العسكر فحسب، إذ سيظل البلد يعاني من هذه الأزمات المزمنة ما دامت القيادات الفاسدة وأتباعها، هم المتحكمون في الحياة السياسية الباكستانية، وهو ما يلقي وسيلقي بتداعياته على الشعب الباكستاني حاضراً ومستقبلاً.