05 نوفمبر 2025
تسجيلنعيش هذه الأيام ذكرى الخامس من يونيو عام 1967، 48 عاماً تفصلنا عن ذلك النهار المشؤوم يوم أراد العدو الصهيوني كسر أحلام الجماهير العربية في تحرير فلسطين، هذا الشعار الذي حملته الأمة العربية من المحيط إلى الخليج. أعوام طويلة تفصلنا عن يوم الهزيمة، حين استطاعت إسرائيل احتلال الضفة الغربية، وسيناء وهضبة الجولان العربية السورية.جاءت بعدها استقالة الرئيس الخالد جمال عبد الناصر لتزيد من طعم مرارة النكسة. عدوله عن استقالته أحيا أملاً جديداً في الأمة العربية بإمكانية تجاوز النكسة على طريق الانتصار. رغم الهزيمة انطلقت الثورة الفلسطينية لتعلن بداية المقاومة الفعلية للعدو الصهيوني ولمشاريعه في المنطقة وتؤسس لمقاومة عربية ظهرت فيما بعد. رغم الهزيمة أطلق الزعيم الخالد جمال عبد الناصر لاءاته الثلاث: لا صلح, لا اعتراف, ولا مفاوضات مع الكيان الصهيوني، كان الشعار من أبلغ الردود على الهزيمة.إسرائيل أرادت بحرب يونيو تطويع إرادة الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج, لكن رد أمتنا تبلور في كلمات قليلة: مقاومة إسرائيل والإصرار على عروبة فلسطين من النهر إلى البحر.نعم, انتظرت الجماهير العربية لحظة بلحظة تلك الساعة التي نتمكن فيها من هزيمة إسرائيل. جاءت اللحظة في معركة الكرامة في 21 مارس عام 1968 وجاءت في حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية.توج الانتصار عام 1973 حين أثبت الجندي العربي قدرته على تجاوز المحنة والوصول إلى النصر. للأسف لم يُمهل القدر عبد الناصر الذي خاض حرب الاستنزاف وكان قد توفاه الله في عام 1970، ولم يشهد عبور الجيش المصري لقناة السويس وتدمير خط بارليف الإسرائيلي، الذي صوروه بأنه كخط ماجينو، بل تفوق عليه. للأسف أيضاً, لم يكتمل الانتصار في حرب عام 1973 التي أرادها الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، أن تكون حرب تحريك لا حرب تحرير.جاءت بعدها المباحثات المصرية مع (العزيز) هنري كيسنجر, وكانت اتفاقية كامب ديفيد المشؤومة, التي أخذت الدولة الأقوى عربياً من دورها في التصدي للدولة الصهيونية، ثم جاءت اتفاقية أوسلو المشؤومة وبعدها اتفاقية وادي عربة.تصور الإسرائيليون بعدها بأن وجود دولتهم المغتصبة أصبح أمراً واقعاً، وأنهم بانتظار العرب كي يخروا على ركبهم راكعين وصاغرين وطائعين أمام الإرادة الصهيونية، مثلما انتظر وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشيه دايان في عام 1967, مكالمة الاستسلام من الرئيس عبد الناصر.فشلت التوقعات الإسرائيلية وأصر الفلسطينيون والعرب على رفع شعارات تحرير فلسطين، كل فلسطين.في ذكرى يونيو منذ أعوام قليلة, انذهل العدو الصهيوني وفوجئ من المسيرات الفلسطينية - العربية باتجاه حدود فلسطين (مثلما يفاجأ في كل عام)، فوجئ تماماً إلى الحد الذي مارس فيه فلسطينيان حقهما في العودة على طريقتهما الخاصة, اخترقا الحدود السورية - الفلسطينية، أحدهما وصل إلى يافا (مسقط رأس والده وعائلته وأجداده) وأعلن عن نفسه. ثانيهما لم يعلن عن نفسه ولم يتمكن الكيان من القبض عليه سوى بعد أسبوع. رد الفعل الصهيوني على المسيرات الحدودية عبّر عن نفسه بمذابح (كعادة إسرائيل) ارتكبتها ضد الذين ساروا في المسيرات، مما أدى إلى استشهاد العشرات على الحدود اللبنانية والسورية مع فلسطين التاريخية.المسيرات الفلسطينية العربية ذلك العام تعكس طموحات وأهداف شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية في رؤية الكيان كمشروع دخيل في المنطقة, وتعكس إصرارا كبيرا على حتمية عروبة فلسطين وحتمية العودة.كل الذي تغير في الكيان الصهيوني بعد مرور 67 عاما على إنشائه، أنه أصبح أكثر عدوانية وعنصرية وإرهابا. والمتغيرات الداخلية فيه تشي بتطور التطرف والفاشية في شارعه بشكل متسارع, وهذا إن نمَّ عن شيء، فإنما ينم عن طبيعة تآمر إسرائيل ليس على فلسطين والفلسطينيين فحسب، وإنما على العرب والعروبة والمشروع الوطني القومي العربي برمته وعلى كافة الدول العربية بلا استثناء, وقد ثبت ذلك بالملموس عندما اعتدت إسرائيل على أكثر من دولة عربية بطرق مختلفة: اعتداء مباشر, تفجير أهداف مختلفة فيها, اغتيال مناضلين فلسطينيين وعرب في أكثر من دولة عربية, تفجير حتى الطائرات المدنية العربية في الجو, التآمر على الجبهات الداخلية العربية وتخريب نسيجها الاجتماعي المجتمعي وغير ذلك من الأشكال.لكل هذا فلا يجوز التصور للحظة من اللحظات أن الصراع مع الكيان الصهيوني هو صراع فلسطيني فقط وإنما هو صراع عربي.إن الحلم الصهيوني بإنشاء دولة إسرائيل الكبرى لم يغادر الذهنية لدى معظم الصهاينة، غير أنهم سيحيون هذا الشعار في الوقت المناسب عندما تحين الظروف. إن إسرائيل والسلام خطان متوازيان لا يلتقيان والدليل على ذلك: عشرون عاما من المفاوضات الفلسطينية مع الكيان وفوقها تسعة أشهر لم تسفر إلا عن ازدياد شهية إسرائيل للأرض العربية ولتطويع العرب. دليل آخر هو: رفض إسرائيل لما يسمى "مبادرة السلام العربية"، إنها من وجهة نظر شارون: لا تستحق الحبر الذي كتبت به!.ومن وجهة نظر نتنياهو حاليا أنها بحاجة إلى تعديل وتجديد!.الأخير أعلن أن ولايته الرابعة (الحالية) لن تشهد قيام دولة فلسطينية مطلقا, هو يريد المفاوضات من أجل المفاوضات فقط.لعل من أصدق الأوصاف التي تنطبق على نتنياهو ما قاله الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك: نتنياهو يفعل عكس ما يقوله في المقابلات مع الزعماء العرب. بالفعل نتنياهو كذّاب, عنجهي, يعتقد أنه الأذكى بين الجميع، فكلهم أغبياء بالنسبة إليه!.. بالطبع هو الغبي, المتحذلق, يبدو دوما كبهلوان السيرك.أثبتت التجارب أن الكيان الصهيوني لا يستجيب إلا للغة القوة والمقاومة. نعم، رغم الظروف الصعبة الحالية لا مستقبل لهذا المشروع إلا الزوال، فلا تعايش مع هذا الكيان.