17 سبتمبر 2025

تسجيل

العلاقات في المجتمع القطري (2-3)

04 مارس 2020

شكَّلت الطبقة الوسطى الحكومية مجالاً عاماً بين المجتمع والدولة ؛ حيث أمسك الشباب المتعلم بزمام الوظيفة الحكومية في عملية تقطير واسعة انتهجتها الدولة، مديرين - مسؤولين كبار، فيما احتفظ الجيل الأول بالمناصب الوزارية وعضوية مجلس الشورى الأول والثاني وربما الثالث، كذلك فيما كان أبناء الطبقة الوسطى يديرون العملية التنموية في البلاد. جراء ذلك احتفظ المجتمع بنمط أفقي من العلاقات مع وجود مسافة اجتماعية بينه وبين جيل الوجهاء الكبار، الذي كان يتمتع بثبات نسبي اعتماداً على بعد تاريخي وبعد آخر اجتماعي أو ما يسمى بالرأسمال الاجتماعي، أيضا هناك مسافة بين المجتمع وبين السلطة العليا. كانت السلطة على مسافة واحدة من الجميع فشعر المجتمع بالاطمئنان وبالتوازن فذهب المواطن يحقق ذاته كشخصية مستقلة. فإذا كان نمط العلاقة في الستينيات هو البساطة والتلقائية.. ونمط العلاقة في السبعينيات قائم على بروز قيمة العلم والتعلم.. والثمانينيات كذلك شهدت استكمالاً لنمط هذه العلاقة الأفقية بين أفراد المجتمع. لاحظ هنا أن العلاقة في تلك الفترة كانت أقرب الأوقات إلى كونها علاقة قائمة على الإنتاجية، وذلك لبروز قيمة المتعلم والعلم فيها أكثر من أي وقت مضى، وشروع الدولة في عملية التقطير بناء على هذه القيمة. في التسعينيات ونتيجة للظروف والتحديات المحيطة دخلت الدولة في مشاريع تنموية وإستراتيجية ضخمة في جميع المجالات، وأدى ذلك إلى التوسع في نشاطات ريعية، وطبيعة الريع السائلة أدت إلى اختلال في طبيعة العلاقة داخل المجتمع، وبالتالي حصل بروز واضح لنمط علاقة رأسي أو عمودي يتجه نحو مصدر الريع المباشر؛ سواء التحاق بنشاط أو من خلال إيجاد علاقات ريعية مع ما تحتاجه هذه العلاقة من مؤهلات وقيم تختلف بالضرورة مع ما تحتاجه العلاقة الإنتاجية الأفقية، وبالتالي أنتجت مثقفاً متنوعاً آخر أو عممت نمطاً من الثقافة الزبائنية. خطورة العلاقة العمودية أو الرأسية أنها اختزالية؛ تختزل المجتمع في مركز سلطة يتوجه إليه الوعي مباشرةً، وتجعل المصلحة الشخصية تتقدم على المصلحة العامة، وبالتالي تعمل على توقف حركة المجتمع نحو ذاته ومع ذاته بشكل كبير. ونلاحظ أن المسؤولين الكبار بمن فيهم الوزراء وأعضاء مجلس الشورى في السابق أيام سيادة نمط العلاقة الأفقية كانوا أكثر قرباً وحضوراً وفاعلية في المجتمع مما هم عليه اليوم. يظهر أن سرعة تحرك الدولة ووضع أهداف إستراتيجية كبرى وطموحة واستخدام الريع بشكل كبير لتحقيق ذلك أدى إلى بروز هذا التغير في العلاقة من النمط الأفقي إلى النمط العمودي الرأسي. اليوم يواجه مجتمعنا تحديات كبيرة.. نعيش كثافة سكانية غير مسبوقة.. نعيش حدثاً عظيماً غير مسبوق في تاريخ المنطقة العربية بأسرها"كأس العالم".. أمامنا انتخابات لمجلس شورى لأول مرة في تاريخ البلد.. نعيش ثورة اتصالات غير مسبوقة، تأتي على الأخضر واليابس.. نعيش حصاراً جائراً.. ثمة فوضى في نمط العلاقة نتيجة كل هذا، وبالتالي لغة حوار شبه معدومة، وتراجع العلاقة الأفقية أمام تيار العلاقة العمودية الغالب، وعودة الهوية الشخصية على حساب الهوية السردية التي كانت سائدة أيام الفرجان الطبيعية التي كانت قائمة من قبل، وتراجع إمكانية إقامة مجتمع مدني حر عن ما كانت عليه فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم. كيف يمكن أن نقيم نمط علاقات يحفظ لنا هويتنا ووسطيتنا، وفي نفس الوقت يحفظ للمجتمع مكتسباته التاريخية وللمواطن القطري مركزيته؟ يتبع [email protected]