17 سبتمبر 2025
تسجيلتعالت في الآونة الأخيرة أصوات عديدة للمطالبة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وبصفة خاصة بعد فوز حزب “سيريزا “ اليساري في الانتخابات البرلمانية اليونانية التي جرت الشهر الماضي، ورفضه لخطط التقشف التي فرضها الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي على بلاده في إطار خطة الإنقاذ المالي الأوروبية وما ترتب على ذلك من ضعف قيمة السندات اليونانية المصدرة باليورو وخطورة عدم قدرة الحكومة الجديدة على سدادها، ومن ثم احتمالية إفلاس عدد كبير من البنوك الأوروبية التي تحتفظ بكميات كبيرة من هذه السندات... هذا وقد أجريت في هذا الشأن العديد من الدراسات لتوضيح مدى تأثر الاقتصاد البريطاني سلباً أو إيجاباً في حالة الموافقة الشعبية على هذه الخطوة.إلا أن معظم هذه الدراسات لم تقم بها مراكز بحثية متخصصة، وإنما قام بها بعض الأحزاب السياسية ذات الاتجاهات الفكرية المختلفة، ومن ثم لم تخرج نتائج هذه الدراسات بإجابات واضحة، وإنما جاءت مختلفة وأحيانا متناقضة وفقاً لاتجاه وميول الحزب وأعضائه من عملية الخروج أو الاستمرار في عضوية الاتحاد الأوروبي، فنجد على سبيل المثال أن نتائج الدراسة التي قام بها حزب الاستقلال “المشكك دائما في جدوى انضمام بريطانيا لعضوية الاتحاد الأوروبي” قد أظهرت أن هذه العضوية تكلف بلاده سنوياً نحو 85 مليار جنيه إسترليني، في حين أوضحت بيانات وأرقام وزارة التجارة البريطانية أن صافي الأرباح من عضوية الاتحاد تبلغ أكثر من 100 مليار جنيه إسترليني.مع إدراك جميع الأحزاب ومراكز البحث البريطانية بأن خطوة هامة كخروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي أو البقاء فيه لآبد وأن يجري بشأنها استفتاء شعبي يسبقه مفاوضات مكثفة بين الحكومة البريطانية ومسؤولي الاتحاد الأوروبي للاتفاق على كافة التفاصيل الخاصة بعملية الخروج وبما يضمن دخول السلع والخدمات البريطانية إلى أسواق دول الاتحاد الأوروبي، والتي سيكون لها تأثير كبير على تغليب رأي فريق على آخر، كما ستشهد البلاد بالتأكيد حالة من عدم اليقين خلال فتره المفاوضات.... ويرى العديد من الخبراء وجود ثلاثة عناصر رئيسة مؤثرة ستكون كفيلة بتحديد مستوى أداء الاقتصاد البريطاني في حال اختيار الشعب البريطاني الخروج من الاتحاد الأوروبي وهى على النحو التالي:العنصر الأول: النفاذ إلى السوق الأوروبية: ويكون هذا العنصر إيجابياً في حالة تسهيل دخول بضائع وخدمات الشركات البريطانية إلى دول الاتحاد الأوروبي، وبالطبع فإن هذا الأمر يتوقف على بنود اتفاقية التخارج من الاتحاد الأوروبي، والذي يمكن أن يتخذ أحد البدائل التالية:1.انضمام بريطانيا إلى المنطقة الاقتصادية الأوروبية “على غرار النموذج النرويجي” والتي تٌمكن البضائع البريطانية من الدخول لأسواق دول الاتحاد الأوروبي، ولكن ليس بنفس السياسات الزراعية والصيد المشتركة، وسيتعين على بريطانيا في هذه الحالة المساهمة في موازنة الاتحاد الأوروبي والخضوع للقواعد التنظيمية الخاصة بالتوظف والخدمة العامة. 2. عقد اتفاقية ثنائية مع الاتحاد الأوروبي “على غرار النموذج السويسري” والتي تحد من عبئ القواعد التنظيمية بالمقارنة بالنموذج النرويجي، إلا أنها تقلل من إمكانية وفرص دخول البضائع والخدمات البريطانية إلى الأسواق الأوروبية.3. الانفصال التام عن الاتحاد الأوروبي وبموجبه يمكن لبريطانيا تجنب جميع القواعد التنظيمية للاتحاد الأوروبي، إلا أن ذلك سيكون على حساب منع أو خفض الصادرات البريطانية لأوروبا، بالنظر لوضع العديد من الحواجز أمامها.العنصر الثاني: المساهمة البريطانية في موازنة الاتحاد: في حال اختيار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي، فإن ذلك سوف يوفر لها جزءاً من مساهمتها في ميزانية الاتحاد والتي تبلغ هذا العام نحو إحدى عشر مليار جنيه إسترليني، ومن المتوقع ارتفاعها في نهاية دورة البرلمان المقبل إلى 63.9 مليار جنيه إسترليني “ وفقاً لمكتب مسؤولية الميزانية البريطاني”.... إلا أن هذه الأرقام سوف تتحدد وفقاً لاتفاقية التخارج الموقعة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.العنصر الثالث: الهجرة: يرى الفريق المؤيد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أن هذه الخطوة ستمكن البلاد من السيطرة على عمليات هجرة أبناء دول الاتحاد الأوروبي إليها، إلا أنه من المتوقع أن يفرض مسؤولي الاتحاد الأوروبي على بريطانيا قبول الهجرة الأوروبية في مقابل السماح بدخول بضائعها وخدماتها إلى أسواقهم.... فيما يرى فريق آخر أن تقييد الهجرة الأوروبية إلى بريطانيا سيكون له عواقب سلبية عديدة وفي مقدمتها افتقار البلاد للكثير من المهارات والخبرات الأوروبية التي تحتاج إليها العديد من الشركات، بالإضافة إلى حرمان المالية العامة البريطانية من الضرائب التي يسددها مهاجري الاتحاد الأوروبي.