28 أكتوبر 2025
تسجيلتحسين الإنتاجية والتنافسية اختتم في مراكش نهاية الأسبوع الماضي مؤتمر اقتصادي كبير نظمه صندوق النقد الدولي والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي وصندوق النقد العربي تحت شعار "الفرص للجميع: تشجيع النمو وخلق فرص العمل وتعزيز المشاركة والشمول في العالم العربي". وواضح من شعار المؤتمر أن الجهات المنظمة تعتبر ديمومة النمو الاقتصادي وشموليته وتوفير فرص العمل والمشاركة هي هواجس اقتصادية رئيسية مشتركة للبلدان العربية، حيث يرى البيان الختامي الصادر عن المؤتمر إن أكثر من 25 في المائة من الشباب يعانون من البطالة، إلا أنه وبالرغم من ذلك فإن العالم العربي يحمل فرصاً وآمالاً كبيرة نظراً لحيازته على الطاقة الشبابية الموهوبة، والثقافة الغنية، والتاريخ، بالإضافة إلى الموارد الاقتصادية الوفيرة. لكن التطورات الداخلية التي شهدتها بعض الدول العربية والانخفاض النسبي لأسعار النفط، ومحدودية الإنتاجية، وضعف الحوكمة أدت جميعها إلى قلة الاستفادة مما تحظى به المنطقة من مقدرات، في حين لم يكن النمو الاقتصادي قوياً بما فيه الكفاية لتخفيض البطالة. واللافت للنظر أن البيان ركز بصورة خاصة على قضية بناء المؤسسات المعنية بالتنمية الاقتصادية كسبيل للتصدي لتلك الهواجس الرئيسية، وهو نفس الموضوع الذي تناوله أيضا محافظ بنك الكويت المركزي محمد يوسف الهاشل في ورقته للمؤتمر حيث أكد بأن تحسين بيئة الاستثمار يتطلب إعداد إطار تشريعي ومؤسساتي محفز وجاذب لرؤوس الأموال مع توفير الدعم اللازم للمشاريع لا سيما في مجال التمويل. وتتفق الكثير من الأدبيات الاقتصادية على أن اختلاف مستوى التطور والنمو الاقتصادي بين البلدان لا يمكن رده بالضرورة إلى مدى وفرة الموارد الطبيعية والإمكانيات المالية بل في جودة إدارة المؤسسات بأنواعها : المؤسسات الاقتصادية، المؤسسات السياسية، الإدارية والتعليمية والقضائية فهي تؤثر بصورة واضحة في الأداء الاقتصادي السائد في البلد. ومن هنا برز مفهوم الاقتصاد المؤسسي الذي يعني قيام هذه المؤسسات بدور فعال في تحسين الإنتاجية والتنافسية الذي يؤدي بدوره إلى تحقيق الكفاءة الاقتصادية وارتفاع معدلات النمو الاقتصادي وشموليته وخلق فرص العمل على أسس المشاركة والحوكمة. إن دولنا العربية، وكما أشار البيان الختامي للمؤتمر، لا تنقصها الموارد والإمكانات كما أنها لا تحتاج إلى كثير من الإقناع بضرورة الإصلاح الاقتصادي. كما لا يرجع تأخر إصلاح الاقتصاد وضعف الشفافية وتواضع ممارسات الحكم الصالح إلى عدم قناعة بهذه التوجّهات أو مقاومة لها بقدر ما يرتبط بضعف المؤسسات أو غيابها. لذلك، فأن المطلوب هو بناء المؤسسات وتطويرها وتقويتها لتساعد في تسريع التحوّل نحو الإصلاح الاقتصادي. ومن هنا تأتي أهمية بناء دولة المؤسسات وإدارتها بشكل يضمن استمرار سير الأمور بشكل ملائم يتناسب مع خطط واتجاهات الدول العربية الإصلاحية على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والإدارية، بدون التعرض للكثير من التقلبات نتيجة اجتهادات فردية شخصية غير مبنية على أساس وعلم وخبرة مؤسسية؛ فالمؤسسات التنموية والتعليمية والقضائية لها تأثير لا يقل أهمية وتأثير عن حجم الموارد المتوفرة، بل أن وجود المؤسسات له تأثير حاسم على كفاءة إدارة هذه الموارد بما يحقق الأهداف المطلوبة. ورغم إن عدد كبير من الدول العربية شهد قيام أجهزة أخذت شكل المؤسسات الحديثة إلا أن دورها الفعلي نتيجة للبيروقراطية وضعف الحوكمة والفساد ظل بعيدا عما هو منشود. لذلك يظل المطلب الرئيس هو الوصول إلى تحقيق دولة المؤسسات، التي من دونها، قد يأخذ النمو منحى عشوائياً ومشوها، بينما المطلوب في ظل التحديات الراهنة أن يأخذ صفة الشمولية والعدالة والمشاركة والديمومة وقادر على توفير فرص العمل للشباب.