14 سبتمبر 2025
تسجيلضاق اليونانيون ذرعاً بالسياسات التقشفية القاسية والطويلة التي فرضها عليهم كل من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، ومن ثم فقد دُفعوا لمنح ثقتهم وبأغلبية ساحقة لحزب "سيريزا" اليساري المتشدد بزعامة ألكسيس تسيبراس الذي وعدهم في البرنامج الانتخابي لحزبه بمعالجة أزمة غلاء المعيشة وإنعاش الاقتصاد وزيادة الحد الأدنى للأجور من 580 يورو إلى 751 يورو شهرياً مع خفض الضرائب والسعي لشطب الجزء الأكبر من الديون التي تبلغ نحو 175% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد "على غرار ما حدث مع ألمانيا في عام 1953"، وعقد مؤتمر أوروبي موسع لمناقشة كيفية سداد الجزء المتبقي من المديونية على أسس ميسرة.وإن ألمح البعض إلى صعوبة شطب الديون اليونانية في ظل تصريح رئيس المفوضية الأوروبية "جان كلود يونكر" بأن إلغاء الديون اليونانية يعد أمراً غير وارد، وفي ظل معارضة الحكومة الألمانية لهذه الخطوة مدعومة برأي عام شعبي واسع النطاق، مما أدى إلى تراجع بورصة أثينا خلال هذا الأسبوع بأكثر من 16% وما ترتب على ذلك من تراجع أسواق الأسهم الأوروبية ومؤشراتها الرئيسية ببورصات طوكيو وباريس وفرانكفورت وشنغهاي وميلانو ومدريد وغيرها.... وإن وضع البعض حلولاً وسطية قابلة للتطبيق العملي ومنها تمديد الدائنين لفترات ومدد استحقاق مدفوعات الديون وخفض أسعار الفائدة أو إيقافها لفترة مؤقتة.ويتخوف اليونانيون من استمرار دول الاتحاد الأوروبي في تشددهم تجاه بلادهم كي يرسلوا من خلال ذلك بعض الإشارات والرسائل التحذيرية لعدد من الأحزاب اليسارية الأوروبية وبعض الدول، كإسبانيا وفرنسا وإيطاليا والبرتغال التي تعاني أزمات تقشفية بضرورة الالتزام بتطبيق هذه السياسات المفروضة من قبل الاتحاد الأوروبي، بعد أن فتحت الانتخابات اليونانية الأخيرة باب الانقسام الفكري بين أحزاب اليسار واليمين داخل البلاد وفي منطقة اليورو.ومن الجدير بالذكر أن قروض اليونان المترتبة على عملية إعادة هيكلة ديونها بعد عام 2010 قد بلغت أكثر من 240 مليار يورو، إلا أن الجزء الأخير من حزمة الإنقاذ الأوروبية والبالغة 7.2 مليار يورو ما زالت في حاجة إلى المزيد من التفاوض، وهو الأمر الذي يعد تحدياً كبيراً أمام الحكومة اليسارية الجديدة التي يجب عليها كذلك سداد مستحقات مالية على البلاد خلال الشهر المقبل مقدارها 4.3 مليار يورو، بالإضافة إلى أكثر من ستة مليارات يورو أخرى مستحقة على البلاد في يوليو المقبل، بما سوف يدفع الحكومة الجديدة إلى إصدار سندات حكومية قصيرة الأجل لتغطية هذه المتطلبات المالية الضرورية للبلاد.ويرى الكثير من الخبراء والمحللين أن هناك فجوة كبيرة بين رؤية الحزب اليساري اليوناني الفائز في الانتخابات "حزب سيريزا" ورؤية فريق دائني البلاد، سواء الاتحاد الأوروبي أو صندوق النقد الدولي وأنه يصعب سد هذه الفجوة، خاصة في المدى القصير، ويرى هؤلاء الخبراء أن أفضل الصيغ التوافقية التي يمكن أن ترضي الطرفين في الوقت الراهن، إنما تتمثل في مد أجل الموعد النهائي لحزمة الإنقاذ المالي إلى ما بعد 28 فبراير المقبل بما يتيح لكلا الطرفين فرصة التقاط الأنفاس والتفكير بتأنٍ في صياغة حل وسط على المدى الطويل دون التعرض لمناقشة إمكانية استمرار عضوية اليونان بالاتحاد الأوروبي من عدمه.هذا وقد أعلنت معظم حكومات دول منطقة اليورو عن رغبتها في استمرار اليونان في عضوية الاتحاد وفي المقدمة منها المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" التي صرحت بأن بلادها ودول منطقة اليورو ترغب في أن تظل اليونان جزءاً من المنظومة الأوروبية... وقد أعلن في ذات الوقت غالبية اليونانيين عن عدم رغبتهم في الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، مما دفع "تسيبراس" رئيس الحزب اليساري "سيريزا" إلى إعلان بقاء بلاده داخل منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي، وتعهده بالتعاون مع القادة الأوروبيين للتوصل إلى حل عادل مرضٍ لأزمة مديونية بلاده وبما يحقق مصالح كلا الطرفين.وفي ظل الوعود البراقة للحزب اليساري "سيريزا" أثناء الحملة الانتخابية في منتصف الشهر الماضي، وخزائن البلاد الفارغة ومحاولة الحزب اكتساب مصداقية وثقة الجماهير اليونانية في تحقيق العدالة الاجتماعية فقد وضع على رأس أولوياته تقديم بعض الإعانات الفورية للمواطنين الفقراء والأكثر فقراً من خلال استعادة الخدمات الكهربائية وتقديم طوابع الغذاء للمعوزين.ويتخوف رئيس الوزراء البريطاني "ديفيد كاميرون" من زيادة حالة عدم اليقين الاقتصادي التي يمكن أن تسود الدول الأوروبية من جراء فوز الحزب اليساري اليوناني، وكذا تداعيات تلك الخطوة على صعود نجم الأحزاب المناهضة لكتلة اليورو، وهو ما تمت ترجمته بالفعل مع حزب "بوديموس" الإسباني الذي ينادي بإنهاء حالة التقشف ببلاده والذي بدأت نتائج استطلاعات الرأي تميل بوضوح لصالحه، وهو ما يمكن أن يزيد كذلك من فرص حزب "البديل من أجل ألمانيا" وحزب الاستقلال في بريطانيا.