13 سبتمبر 2025

تسجيل

يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي

04 فبراير 2014

من يتأمل جيداً في تفاصيل هذه الحياة ويُراقب عن كثب وتيرتها السريعة وصفحاتها التي تطويها الأيام والسنين بآلامها وأفراحها وتناقضاتها وعدم دوام أحوالها؛ يعرف ويتيقن بأنها فعلاً لا تستحق مناّ التشبّث بها وبملذاتها، فهي لم تدم للأنبياء والرسل والعلماء والأئمة والملوك والأمراء والحكام والأغنياء وأصحاب النفوذ.فالمتعظ الكيّس يعلم بأنه لن ينال من هذه الدنيا الفانية إلا ما ينفعه لأخراه وحياته الأبدية، فيعمل جاهداً على نيل رضا الخالق باتباع أوامره واجتناب نواهيه والتحلي بخلق سيد الخلق عليه الصلاة والسلام حتى ينال خير هذه الدنيا والفوز بجنة عرضها السماوات والأرض.كم ممن هم تحت الثرى يتمنون أن يعودوا للحياة ليعملوا ولو لدقيقة واحده عملا صالحاً يرجون فيه رحمة الله ورضوانه، ولكن هيهات له ذلك لأن الله أمهله عمره الذي كتبه له في الحياة الدنيا فلم يزده ذلك إلا غفلة وتصدي عن آيات ربه (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى) حينها لن تنفعه الذكرى ويكفيه ما أسلفه من قديم دهره وحديثه، وسيندم على ما كان قد سلف منه من المعاصي إنْ كان عاصياً، ويود لو كان ازداد من الطاعات إنْ كان طائعا (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي)، يتمنى أنه قضى حياته كلها في طاعة الله حتى يلاقيه وهو من من أهل اليمين السفرة البررة الذين رضي الله عنهم وأرضاهم ووعدهم وعد الصدق أن تلكم الجنة التي أورثتموها.فحق علينا أن نتمعّن في آياته العظيمة عندما وصف هذه الدنيا بقوله سبحانه وتعالى: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ) الكهف: 45.وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة" يعنى العيشة الهنية الراضية الباقية هو عيش الآخرة، أما الدنيا فإنه مهما طاب عيشها فمآلها للفناء، وإذا لم يصحبها عمل صالح فإنها خسارة.وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "يؤتى بأنعمِ أهلِ الدنيا من أهل النارِ يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة، ثم يقالُ: يا ابن آدم؛ هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب. ويؤتى بأشد الناس بُوساً في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ صبغة في الجنةِ فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط؟ هل مر بك شِدة قط؟ فيقول لا والله، ما مر بي بؤس قط، ولا رأيتُ شِدةً قط". رواه مسلمفإلى متى ونحن نعيش عيشة الغافلين ولا نتعظ من أحداث هذه الحياة، فكم هم من الأحباب والأصحاب ممن عاشوا بيننا وجمعتنا بهم ذكريات جميلة وهاهم تحتضنهم الأرض ولا أنيس لهم ولا سامع لهم إلا رب العزة والجلال، وسيأتي اليوم المحتوم الذي نكون فيه مثلهم لا ولد ولا صاحبة ولا صديق ولا مال يستثنينا منه ولن تبقى لنا إلا أعمالنا الصالحة هي طوق نجاتنا وخلاصنا من نار وقودها الناس والحجارة، أجارنا الله وإياكم منها.فاصلة أخيرةربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.