11 سبتمبر 2025

تسجيل

بضاعة جون كيري

04 فبراير 2014

في سباق التسويات التي يرعاها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، ينشغل الوسط السياسي الأردني والفلسطيني المخضرم بالضرب في الرمل، والاستنتاجات لما ستؤول إليه الأمور، معتمدين على الحاسة السادسة للشعور بعدم الطمأنينة لما يجري بعيدا عن أضواء الإعلام وتصريحات المتباحثين، فقد بات "مشروع كيري" التصفوي هو حديث الشارع والرأي العام الأردني، ما دفع شارعا عريضا تقوده المعارضة الأردنية، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، إلى الخروج للشارع مساء السبت الماضي لإعلان الرفض لمخططات كيري التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية لصالح يهودية الدولة الإسرائيلية وتوريط الأردن في المخطط الذي سيدمر وجوده البنيوي خدمة لصعود الهرم اليهودي على أرض فلسطين وخلق أزمة جديدة بين الأشقاء على أرض الأردن. ولأن التاريخ أعطى معلومات متأخرة، من غرف مغلقة كانت تجري فيها مفاوضات بين الخصوم، أكثر جدية وصراحة لا يمكن أن تجدها في المشهد العلني، فلنا أن نتذكر المفاوضات السرية بين الإسرائيليين والفلسطينيين برعاية أمريكية بعد حرب الخليج الثانية وأثناء انشغال العالم بها، لهي دليل دامغ على أن السياسيين يعتمدون لغتين مختلفتين تؤديان إلى ما يريدون بطريقة ملتوية.وفي قراءة سريعة لتاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، فإن المفاوضات الأولية التي أجراها الفلسطينيون الرسميون عام 1991 مع الإسرائيليين وصلت معلوماتها إلى عمّان متأخرة بعض الشيء، ما دفع الملك الحسين حينها إلى القيام بتحرك فوري للقفز فوق كل الحواجز بقفزة واحدة، ليكون موجودا على طاولة المفاوضات المعلنة، ولكي لا تكون انعكاسات النتائج كارثية على الأردن، فاستبق الجميع برغبته التفاوض مع الجانب الإسرائيلي علنا، حتى لا تستفرد إسرائيل بالطاولة التي اعتاد مسؤولوها الجلوس عليها بقوة أمام خصم ضعيف لا يملك رؤية محددة لخارطة الخلاص.اليوم لم يعد يشبه البارحة كثيرا، فالأردن حتى الآن لم يصدر عنه أي موقف رسمي يحدد مطالبه في ظل مفاوضات غير معلنة وحوارات على طاولة مليئة بالخوارط الجغرافية بين وزير الخارجية الأمريكي جون كيري وبين الأشقاء الفلسطينيين الذين يتحكمون بإدارة المعلومة وقواعد التفاوض الخاصة بهم، وهم يزودون المسؤولين المصريين بتفاصيل أكثر دقة مما يشرحونه للإدارة الأردنية التي تنشغل بتطمين الرأي العام الأردني، أن ليس هناك من تفاهمات خارج النص، في الوقت الذي يؤكد فيه الملك عبد الله الثاني، على العلن وأمام المسؤولين الأمريكيين وأمام رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو الذي التقاه الملك لساعتين في عمان، أن الأردن يضع مصالحه العليا فوق كل مصلحة أخرى، دون الخوض في التفاصيل.القضية باختصار هي مبادرة أمريكية حثيثة لوضع مخطط حل شامل للمشاكل التي تواجهها إسرائيل، ومن غير الصحيح أن الأولوية لدى الإدارة الأمريكية هي حل مشكلة الفلسطينيين، فبنود الخطة التي يعمل عليها كيري ويتجول بين تل أبيب ورام الله للتوسط بها وشرح مفاهيمها للمسؤولين في عمان تختصر بنقاط رئيسية، وهي أن تنسحب إسرائيل من جزء صغير من أراض فلسطينية احتلتها عام 1948 ومنها للفلسطينيين مقابل الإبقاء على بعض المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية، وتعويض إسرائيل عن المستوطنات التي يمكن إخلاؤها، وفي المقابل تعترف السلطة الفلسطينية باعتبارها الممثل عن الشعب الفلسطيني بيهودية الدولة الإسرائيلية، وقيام دولة فلسطينية تعترف بها إسرائيل وواشنطن على ما تبقى لها من أرض، وأن يكون الجزء الشرقي من القدس عاصمة للدولة الفلسطينية المرتقبة، وإعلانها منطقة منزوعة السلاح تماما.في كل ما يجري هناك من حديث عن تسوية جديدة، لم يتم التطرق إلى قضية اللاجئين الفلسطينيين الذين خرجوا من بلادهم جرّاء حروب إسرائيل وعدوانها على المدن والقرى الفلسطينية، ولكن هناك ورقة في جيب الوزير الأمريكي تقترح قبول عودة عدد بسيط من أولئك اللاجئين يقدر بعدد نصف المستوطنين اليهود على الأرض الفلسطينية، وبهذا يكون العدد التقريبي حوالي 60 ألف فلسطيني من أصل 8 ملايين حول العالم تقريبا.المشكلة أن لا الفلسطينيون الذين يتزعمون قيادة السلطة وعلى رأسهم محمود عباس، ولا الإسرائيليون بزعامة نتينياهو يتفقون على حد أدنى من التنازلات، فالفلسطينيون مؤتمرون بما تفرضه عليهم الإدارة الأمريكية مع هامش مقبول من الرفض والقبول، والإسرائيليون يأمرون بفرض الحل حسب حدود مصالحهم دون التنازل العادل، وهم يهاجمون كيري لأنهم يرونه أميل إلى الفلسطينيين، ومع هذا فإن التسارع في الأحداث سيؤدي حتما إلى كارثة إذا بقيت قيادة السلطة الفلسطينية تستأثر بطاولة المفاوضات والقرار، وهي في الموقف الأضعف، وتنسى أن هناك شعبا فلسطينيا في الضفة وقطاع غزة، وهناك حركة حماس وفصائل أخرى لن يقبلوا أن يباعوا مجددا في سوق التنزيلات السياسية لصالح العدو الإسرائيلي.أما قضية اللاجئين فقد باتت على لائحة النسيان وتوزيعهم حسب الجغرافيا المخيماتية كل حسب وجوده، والحصة الأكبر ستكون من نصيب الأردن الذي لا يجد من يدافع عن مصالحه من جماعة الدولة الأردنية المشغولين بمصالحهم.