19 سبتمبر 2025

تسجيل

كبار تركوا بصمة وصغار أضاعوا ثروة

04 يناير 2021

سعيت قبل عدة سنوات قليلة مضت لمقابلة احد الوزراء، حيث لا احد دونه يستطيع ان ينظر في طلبي المتواضع كما قيل لي، لأفاجأ بسيل من الاحالات لا ينتهي، من مدير مكتبه الذي يحيل بالتالي الى مساعده، وهكذا دواليك، وفي النهاية الموضوع خارج سلطة الوزارة، وكأنه أمر عسكري على الرغم من ان مسمى الوزارة يحتويه جملة وتفصيلا. في برج من عظمته تظن انه مصنع للقرار، ودخوله يتطلب منك الصبر والانتظار، في تلك الاثناء قفزت الى مخيلتي مشاهدة كنت قد عشتها في اواسط السبعينيات من القرن المنصرم وما بعدها بقليل، حيث كان والدي رحمه الله يرسلني احياناً لتخليص بعض الامور السكنية والخدمية الى بعض الدوائر الحكومية، أذكر أنه وجهني مرة الى مكتب السيدين محمد بن يوسف الكواري وعبدالكريم القحطاني في ادارة الكهرباء، لاتمام توصيل تيار كهرباء على ما أظن لملحق واضافة داخل المنزل، ذهبت الى مبنى شديد التواضع مقارنة بأبراج اليوم، وولجت الى مكتب به رجلان وقوران هما السيد محمد بن يوسف الكواري والسيد عبدالكريم القحطاني، خلية نحل من المراجعين هنا وهناك، ووجدت كذلك ترحيبا وابتسامة كبيرة تعم الجميع وتشعرك بجو المسؤولية والاحترام، لا ضجر، لا تحويل الى مكتب الوزير، لا انتظار، لا مواعيد "عرقوب"، خلصت مهمتي في زيارتين قصيرتين. وجدت مسؤولية تتقمص هؤلاء الرجال فتحركهم بكل ثقة، لا أدري كيف قفزت هذه الصورة الى ذهني بعد مشواري مع وزير البرج ومكتبه الذي فوق السحاب. هناك كثير من ابناء قطر من أمثال السيدين الكريمين محمد بن يوسف الكواري وعبدالكريم القحطاني، اطال الله عمر من بقي منهما ورحم من رحل منهما الى دار البقاء، في جميع دوائر الدولة في حينه، كان الوزير بالفعل منصباً سياسياً بالاضافة الى امتلاك الصلاحية والثقة التي جاؤوا بها الى المنصب، في حين كانت الادارات تقوم بالدور المنوط بها على اكمل وجه، وكان المديرون على قدر كبير من الكفاءة والمسؤولية، الكهرباء، الماء، البلدية، الهندسة، جميع الادارات ابناء قطر، وهم كثر من ذلك الجيل الاسبق، تركوا بصمة لأنهم كانوا كبارا في المعنى قبل المبنى أو المسمى، في حين أنه حين اعتمدنا على المبنى على حساب المعنى اوجدنا ابراجاً يعيش المواطن بين السُلم والاسانسير داخلها طوال العام، ثم يرجع مكسوراً من كثرة الاحالات التي تأتي على حساب صحته النفسية والبدنية. ابحثوا عن المعنى ايها السادة يطب لكم المبنى على تواضعه، ولا تركنوا الى المبنى "جداراً كان أم إنساناً" على حساب المعنى حتى لا تتحول البصمة الى وصمة والثروة الى افلاس وحسرة. [email protected]