14 سبتمبر 2025

تسجيل

تويتر والفيس بوك في التأني السلامة

04 يناير 2013

 لاشك أن التقنية بمنتجاتها المتطورة أحدثت نقلة نوعية في جميع المستويات ولم يكن الاستيعاب يشكل معضلة بقدر ما كان ارتباطها بالسلوك والتصرف مثار شد وجذب غير أن وجود مساحة من الحرية لا يسوغ التجاوز فالكل مسؤول عن مراقبة نفسه وما يقدم إن خيرا فخير أو شرا فشر، فقدان التحكم بالألفاظ والعبارات بل حتى في طريقة الإلقاء تجر على صاحبها مشاكل جمة لاسيما أن التواصل أصبح يتم بلمح البصر لذا فإن المقياس مرهون بما سيقوله الشخص أو يكتبه فمن فيس بوك إلى تويتر مرورا بالهاش تاق وأمل ألا تكون على غرار مقولة الفنان عادل إمام (هشتقنا وبشتقنا ياريس ) وتذكرني تقنية التواصل المتطورة بمقولة ( ماتشوف إلا غباره ) إذ تتفاوت التغريدات فقد تجد تغريدة متجاوزة السرعة النظامية وتجد أخرى عاكسة السير ولا أعتقد بأنك ستجد تغريدة ( مغرزة ) طبقاً لمفهوم التغريد الذي يكون في الهواء غير الطلق ( ولا عزاء للبلابل ) وتكمن المشكلة حينما يعمل المغرد من الحبة قبة بمعنى أنه يفرط في الوصف من خلال التهويل والمبالغة بهذا الخصوص، وفي واقع الأمر فإن ذلك ينطوي على محاذير عدة وعواقب لا تُحمد عقباها إذ إن المتلقي سيبوب تصوره وفقاً لما سمع، فيكون هذا التصور مبنياً على هذا الأساس وبالتالي فإن رد الفعل النفسي يسهم في التصرف والسلوك ومن ثم يحدث الاهتزاز والارتباك في تصوير مغالط للمفهوم ووفقاً لاختلال الأساس، فالأساس أو بالأحرى مصدر استقاء المعلومة تنقصه الثقة وجانب الدقة في النقل مما أسهم في نشوء هذا التضليل المؤذي نظراً للافتقار إلى الأمانة بهذا الصدد، ولا يعني ذلك التقليل من شأن أمر ما فهو كذلك سيندرج في نطاق التضليل بقدر ما يكون التوازن وفي مسألة النقل بالذات أمرا تحتمه الأمانة والمسؤولية الأدبية إذ قد تنشأ جراء المعلومة حينما تتجاوز إطارها الموضوعي ويتم تضخيمها بهدف إثارة آثار سلبية جمة من حيث إلحاق الضرر وحينما يضخ الهدوء، طاقة جبارة، مستمدة من خصوبة الذهن للحصول على الحلول وبلوغ نقاط الالتقاء وإن شاب هذا الالتقاء نوع من الصعوبة، إلا أن الإخلاص في بلوغ الهدف ستفرضه حتمية نقائه وصفائه، سواء كان ذلك من خلال المناقشات العابرة، أو من خلال الحوارات المتزنة، في حين أن الاختلاف في وجهات النظر المكتسية بجانب كبير من الهدوء ستضفي قيمة أدبية وقوة معنوية لا تلبث أن تسهم في تمرير القناعات بانسيابية تتيح للتأمل مساحة واسعة في استيعاب وجهات النظر في أريحية تسوغ انتقاء الجوانب الإيجابية وتحديدها ضمن إطار موضوعي لا يقبل الانحياز ووفق منظومة منضبطة ومنظمة مما يؤدي في نهاية الأمر إلى التدرج والانصهار التلقائي إلى حيث الصواب الذي ينشده بطبيعة الحال الجميع، فأنا أختلف معك لا عليك وإن اختلفت مع رأيك فإن هذا لا يعني الشك في صدقك وحسن نواياك من هذا المنطلق يبرز دور الهدوء الفاعل في صياغة الأطر المنظمة والمتسقة مع الأساليب المهذبة، فكلما طغى التهذيب على الأسلوب زاد من قوته وصلابته بل وساهم في قبوله، لاسيما وأن البعض جزء من الكل بمعزل عن المزايدة على النوايا، ولما كان حسن النية معياراً للتواصل فإن الأمور ستسير من حسن إلى أحسن بمنأى سوء الظن المفضي إلى انحسار الفكر في تضييق لم يكن بحال من الأحوال إلا استمراراً لمكابدة الرفض وعدم القبول وبعيداً عن التشنج الذي ما برح محاصراً الحلول وحاجباً لها عن الظهور وهي في المخيلة رهن الاعتقال، الاختياري وما ذلك إلا انتقاءً لضبط النفس وشخصنة المواقف، ومن المؤكد أنه لا أحد معصوم من الخطأ بدءاً بالصغيرة ومروراً بالمتوسطة إلى الكبيرة؛ أي أن الخطأ في أي مجال كان واردا لأنها طبيعة البشر. غير أن الإنسان يبذل ما في وسعه لتجنب الوقوع في الأخطاء في اتساق مع الضمير الحي والتزاماً بالمعايير الأخلاقية، ومحافظةً على العقيدة المؤسسة لهذه المعايير، وبما أننا في عصر السرعة، فإن إصدار الأحكام بات ملتصقاً كذلك بهذه الصفة، في إجهاض للتأني ووفقاً لتغليب العاطفة وانحياز الرغبة إلى العجلة في الاستنتاج وإن كان على حساب الرؤية الموضوعية ما يضيف أعباء تثقل كاهل العقل، إذ إن اختلال معيار التوازن بهذا الصدد لا يبرح أن يخلف التراكمات السلبية في إطار قراءة تتخذ السرعة نمطاً إزاء بلورة المعطيات وما ينجم عن هذه المصادقة من تصورات خاطئة بعيداً عن الفلترة أو بالأحرى تنقية الطرح من الشوائب العالقة وفلترة المعلومة حال وصولها خير من رفضها بعد قبولها، لأن العقل الباطن لن يلبث أن يختزن رد الفعل المبدئي ما يشكل إرهاقاً معنوياً كان بالإمكان تجاوزه في حالة تحري الدقة، وإذا كان الشك يقطعه اليقين فمن باب أولى قطع دابر الشكوك وبتر الظنون السيئة وإحالة الأحكام إلى قرارات العقل وإحكام السيطرة على المشاعر والتحلي بالحكمة والصبر لكيلا ينخر التسرُّع عمق المسؤولية الأدبية، من واقع المحافظة على الأمانة في القول والعمل، وإتاحة الفرصة للتأمل على نحو يمنح العقل حيزاً أوسع وبالتالي فإن اتساع الأفق والإدراك الكامل سيؤديان أدوارهما المنوطة بهما بانسيابية تجنح إلى التعقل بلوغاً إلى اختيار القرار الصائب، لأن الصورة قد لا تكتمل من جميع جوانبها في حالة الرؤية الأولى، لذلك كان التريث في هذه المسائل من خصائص الاتزان المؤدي إلى الاستقرار النفسي. وفي الأحكام القضائية يعد الاستئناف محوراً رئيساً في التحقق والتثبُّت لإتاحة الفرصة كذلك والإحاطة بجميع الجوانب المتعلقة بالقضايا لتكون الأحكام عادلة، لأن التسرّع في إصدار الأحكام بمعزل عن التثبُّت يندرج في إطار الظلم ولله الأمر من قبل ومن بعد.