16 سبتمبر 2025
تسجيلتلعب الأعمال الإبداعية الأدبية والفنية من قصص وروايات، ومسرحيات مكتوبة وممثلة، وأفلام ومسلسلات، وقصائد وأناشيد، وألعاب.. دورا مهما كوسائل تربوية وتعليمية وترويجية يمكن استثمارها في غرس قيم العمل الخيري والتطوعي والإنساني ونشر ثقافته في أوساط الأطفال والناشئة والشباب بدءا من مراحل رياض الأطفال وحتى الجامعة، مما ينتظر أن يكون له أثر مهم في تحويل هذه القيم إلى أفعال وسلوكيات وممارسات عملية للمستهدفين، مع مراعاة مستويات العرض والتقديم تبعا للمراحل العمرية. ولغرس منظومة القيم الخيرية والتطوعية أهمية خاصة فهي تضمن الكشف عن الطاقات والإمكانات والملكات الكامنة لدى الأفراد والمجموعات واستثمارها في توثيق الترابط الاجتماعي والإسهام في مجهودات تنمية المجتمعات، وتعزيز التفكير الإيجابي لدى الشباب الذي يتوفر له وقت فراع أكثر من غيره، فضلا عن فوائد إيمانية وحياتية تعود على الأفراد كترقيق القلوب، وتقدير النعم حق قدرها، وحصول البركة في الحياة والأهل والمال والصحة والعافية، والأجر من الله في الآخرة. هذا مشروع كبير وهام ومن المؤسف أن الجهات التي هي على تماس بالعمل التطوعي أو الخيري أو الشبابي أو التربوي لم تفعل شيئا يذكر لخدمته حتى الآن، وإن كان هذا لا يعني عدم جهود في الصدد، ولكن ما يغلب عليها أنها نادرة متناثرة وغير مترابطة أو ممنهجة. يحتاج هذا المشروع الإبداعي لعدد من التجهيزات لعلّ أهمها: ـ حصر قيم العمل الإنساني الرئيسية والمتفرعة عنها مع ما ترتكز إليه من مرجعية (الآيات والأحاديث..)، مثل: التكافل الاجتماعي، إغاثة الملهوف، الإنفاق في سبيل الله، التعاون على البرّ، الإيثار، الرفق بالحيوان، خدمة المجتمع وبخاصة أصحاب الحاجات فيه.. ـ حصر الأعمال والأنشطة التي يمكن أن تترجم هذه القيم إلى أفعال وسلوكيات عملية تنفيذا أو دعما، وهي كثيرة جدا ومنها: تقديم المساعدات المالية والعينية للفقراء والمساكين، إطعام الطعام، إماطة الأذى عن الطريق، كفالة الأيتام وطلاب العلم، وتفريج كُرَب المكروبين، والكلمة الطيبة، وإصلاح ذات البين، وإعانة الشباب على الزواج، وسقيا الماء، والدلالة على الخير، وبناء المساجد ودور العلم والتعليم، والتبسم في وجوه الآخرين، وقضاء الدين عن الغارمين، والمحافظة على البيئة.. ـ البحث عن القصص المتوفرة في القرآن والأحاديث، وسير الصالحين والخيرين في تراثنا العربي الإسلامي، والتراث الإنساني الغابر والمعاصر، والفعاليات التي تقدم نماذج مشرقة في عمل الخير والتطوع وخدمة الناس وتنمية المجتمعات، وإعادة صياغتها وتقديمها بأسلوب مبسط، ووضعها في قوالب مشوقة جذابة تناسب الشرائح المستهدفة، وتراعي البيئة العربية والإسلامية وتأخذ بعين الاعتبار خصوصياتها الثقافية. ـ تقديم سير الشخصيات التي عرفت بالبذل والعطاء، وكانت لها بصماتها في العمل الخيري وإقامة وإنجاز المشاريع والخدمات المتميزة في هذا الجانب ماضيا وحاضرا مثل: حاتم الطائي، الصحابي عثمان بن عفان، زبيدة زوجة هارون الرشيد، بيل غيتس، الدكتور عبد الرحمن السميط، وغيرهم كثير. ـ إنتاج قصص وأعمال معاصرة، يترك فيها المجال لإبداع المبدعين من كتّاب القصص والروايات والمسرحيات وسير المتميزين ومذكراتهم في الجانب التطوعي، بما في ذلك تصميم "أبطال" لهذه الأعمال، إذ غالبا ما تكون هذه الشخصيات أكثر رسوخا في ذاكرة الأطفال والناشئة، باعتبارها تمثل قدوة لهم. وقد جرى التركيز على القصص والسير لأنها أساس أغلب الأعمال الإبداعية الأخرى، والتي يمكن بعد ذلك تحويلها لأعمال مطبوعة أو أعمال درامية وسينمائية مصورة، أو برامج تليفزيونية، أو أفلام كرتون، أو أعمال ممثلة على خشبات المسارح أو غيرها. ويمكن التعاون مع دور نشر ومؤسسات إنتاج لإصدار مثل هذه المخرجات بصورة احترافية، لتسويقها ونشرها في وسائل الإعلام المختلقة بحيث تغطي تكاليف هذه الأعمال كحد أدنى. بعض النماذج القصصية قدّم للأطفال فعلا، ولكن المشكلة أن كثيرا من الكنوز في تراثنا العربي والإسلامي والإنساني لم يمط اللثام عنها حتى الآن، ويحتاج إلى بحث وتنقيب وحصر أولا، وتقديمه للأطفال بقوالب إبداعية مختلفة ثانيا، فضلا عن إنتاج أعمال معاصرة في هذه الجوانب وهي قليلة، وكل ما سبق يحتاج لجهود مؤسسية، ينتظمها مشروع ـ لا يكون ذا أهداف ربحية ـ بكل ما يستلزمه من كوادر متفرغة ومتعاونة وميزانية ومؤسسات راعية وداعمة، وجهات للتسويق والتوزيع، والشراكات مع المؤسسات التربوية والتعليمية والشبابية والتطوعية والرياضية. ما ينبغي أن يكون أكثر أهمية لدى المؤسسات الخيرية والإنسانية في عالمنا العربي والإسلامي من تسويق مشروعاتها الخيرية كبناء مدرسة أو مستشفى أو مسجد ـ من وجهة نظرنا ـ هو غرس قيم العمل الخيري لدى الأطفال والناشئة منذ نعومة الأظفار، لأن من شبّ على شيء شاب عليه، أو إشاعة ثقافة العمل الخيري ببعدها الحضاري المستمد من ثقافتنا الإسلامية لدى الشباب الذين هم "دينامو" أي عمل تطوعي، وصولا إلى تجذير الخيرية لدى هذه الشرائح. وستكون لنا وقفة أخرى مع الأعمال الفنية التي تتفرع عن الأعمال القصصية والتي تخدم الجوانب التطوعية والإنسانية وأهدافها النبيلة، وتلك التي لا تتفرع عنها في وقت قريب بإذن الله. ومن نافلة القول: إن عملا مسرحيا أو دراميا أو فيلما كرتونيا، قد يكون أقدر على غرس القيم أو حشد التأييد لفكرة أو مشروع أكثر من ألف خطبة ومحاضرة، وربّ صورة معبرة أبلغ من ألف عبارة ومقال.