19 سبتمبر 2025
تسجيلقيل لتاجر: كم رأسمالك، فقال إني أمين وثقة الناس بي عظيمة، هذا التاجر يدرك معنى الأمانة والعائد الإيجابي ليس فقط في صدقه مع ربه وصدقه مع نفسه فحسب بل إنه يدرك أن السمعة العطرة الطيبة هي التي تدوم حتى بعد مماته حينما يقال ابن فلان إذ تتجلى الصورة الجميلة في الذهن حينما ترافقها كلمة (والنعم) تأكيدا للسيرة العطرة الذي جسدها والده بطيب العمل فالتاجر مسؤول عن تجارته وكيف يكسب ماله وكيف ينفقه، الأمانة قيمة عالية وتتكئ على أسس متينة ومتماسكة من حيث التعاطي والتفاعل والاتصاف بهذه الخصلة الجميلة الرائعة، فهي المقياس للتعامل فضلاً عن تحقيقها التوازن الفكري والنفسي المنبثق من اثر الصدق مع الذات، في تفاعل يجسد هذه القيمة القيّمة لبلوغ آفاق ارحب لتنطلق وثابة تثري الأركان الفسيحة وتفصح عن صدق في العزم وثبات في الحزم وهو يتعامل مع ذاته ويقنن رغباته طبقاً لما هو متاح له أو بالأحرى كما أحل له في تكيف بديع مع المعطيات وما تقتضيه المصلحة، ومن أسوأ ما يمارسه الإنسان حينما يستغل مركزه، أو موقعه في تمرير التجاوزات، متخطياً بذلك حدود الأدب، ومخترقاً الأمانة التي حملها على عاتقه بهذا الصدد في تكريس للأنانية وحب الذات، في حين أن إدراكه بمغبة خيانته للأمانة بلغ صفراً إن لم يكن تحت الصفر وبذلك تتجمد كل المعايير الأخلاقية لشرف المهنة وينحي بالاستقامة جانباً، ضارباً عرض الحائط بكل القيم التي استقاها إبان مراحل التعليم والتدريب بل قد يكون أعجب بها في وقت ما، إلا أن زخرف الحياة الدنيا لم يمهله فاحتواه، وحاصره في زاوية نسج منها البؤس صنوف المخالفات تلو المخالفات، مسقطاً المرحلة الذهبية حين تفتق ذهنه في مرحلة معينة ولامس فيها إدراكه العميق لذة الانتماء للمبدأ ليجهض الإدراك الجميل بمجرد بلوغه مركزاً لم يكن سوى استدراج ليقع في الفخ الذي نصبه الإيحاء المخادع، هذا الصنف من البشر يعاني الأمرين إذ تجده من الداخل يحترق ليقينه بأن ما يعمله مجانب للصواب، وفي الخارج ينعت بالتقصير وعدم تلحفه بالوجاهة الزائفة لعدم توسطه لأقربائه وأصدقائه وهذا بدوره يحيلنا إلى اشكالية التناغم الاجتماعي واتساقه مع الوعي المعرفي للحقوق والواجبات بل للصح والخطأ، فبقدر ما يجسد التكافل الاجتماعي الترابط بين أبناء الأمة الواحدة، بقدر ما يسطر عناوين بارزة ومؤثرة في تمازج بديع، بيد أن هذا قطعاً لا يسوغ الركون إلى الضغط على هذا المسؤول والتوسط في تمرير التجاوز فإما أن يذعن المسؤول لصوت الوجاهة النشاز ويمرر هذا التجاوز مخالفاً بذلك قيمه ومبادئه، وأما أن يشتري العزة والكرامة حينما يرفض هذا الأمر ليقينه بأن البقاء للأصلح والأصلح هو الصحيح، والصحيح هو الإمساك بتلابيب القيمة الباقية حينئذ فإن المطرقة الاجتماعية لن تنفك محاصرة له بكل ما خاب وخسر من أوصاف لا تعدو أن تكون استفزازاً ينخر في صدق العزيمة ويضعف من صلابة الاتزان، من هذا المنطلق فإن البعض يمارس تضييقاً ليس له ما يبرره، فبدلاً من الإشادة بموقفه ي يجد النقد والتجريح (وفلان ما فيه خير) و(فلان ما ينفع أحد) في حين أن هذه الأقاويل تكبل عنفوان النزاهة وصدق الاستقامة، فكيف تقبل النفع من شخص يضر نفسه بالدرجة الأولى، ناهيك عما سيلحقك من هذه المضرة لمجرد الوصول بغض النظر عما يترتب على ذلك من تبعات في إقصاء فج للإنصاف وإعاقة واضحة لتطبيق الأنظمة، وقد تجد شخصاً استفاد من هذه الهفوة وتسلق متسللاً جدار النظام بموجب (فزعة) هذا المسؤول وحينما يدلف إلى إحدى الدوائر لتخليص معاملة له فإن لمح تجاوزاً واضحاً بأن قدم شخص جاء بعده صاح بأعلى صوته (ما فيه نظام) عجباً كيف تطالب بتطبيق النظام وأنت لم تلبث (تزن) على المسؤول في تمرير معاملتك بطريقة غير نظامية، مستميلاً كل المؤثرات الضاغطة من خال وعمة وجدة، هذه الازدواجية المريعة هي سبب المشكلة، وهذا على الأقل تجاوز النظام بمرأى منك إلى الحد الذي أتاح لك أن تصرخ بأعلى صوتك بينما أنت مارست الحالة المخزية في جنح الظلام وبت أشد خطراً منه،(الفزعة) أمر محمود وطيب ولكن لا تكون على حساب الأمانة، بمعنى أن المسؤول النزيه يتمنى أن يدفع من ماله الخاص على أن يقع تحت مطرقة الضمير الموجعة، الإصلاح لا يمكن أن يتم بمعزل من صلاح الفرد وتمسكه بالأخلاق الفاضلة، الفرد الصالح نواة المجتمع الصالح، ولكي نصل إلى هذا المستوى ينبغي أن نكون على قدر كبير من الوعي والإدراك بالكف عن التحريض وتمرير المخالفات من خلال الضغط على المسؤول الذي يرهقه هذا الأمر أدبياً ومعنوياً حينما تفرض عليه التجاوز في أمر ما، أن المسؤول الذي لايرضى عن النقاء بديلاً يدرك بأنه انما يرضي ضميره حينما سطر الاتزان بشجاعة لا تقبل الانحناء للأقاويل، وتوحي بضمير حي يتقد اشعاعاً، وهو ينير الطريق للأجيال تلو الأجيال بان هذه مكارم الأخلاق، مع العلم بأن النظام كفل لكل مستحق حقه وفق ضوابط لا تخلو من معايير منصفة في جميع المجالات فمسيرة الإصلاح لا يمكن أن تؤتي أكلها إذا فقدت الإخلاص مقروناً بالإحساس الصادق في حب الوطن، وثق بان رقي الأمم وتقدمها يكمن في أخلاقها الفاضلة وصلابة موقفها والثبات على المبدأ الذي لن تحيد عنه