11 سبتمبر 2025
تسجيلإن الأخلاق تسير مع الدين جنباً لجنب فكل ما يأمر به الدين هو أخلاقي وجميع القواعد الأخلاقية إن لم نقل كلها هو ديني، فتأخر الدين في عصرنا هذا هو الذي جعل موجة فساد الأخلاق تطغى على الناس في جميع المجالات. لا جرم أن انتصار فكرة المادية واللادينية في زماننا هذا هو الذي قلل من اعتبار الدين؛ فالمادي الذي لا يعتقد ببعث ومعاد لا يمكن أن تحسن أعماله في الحياة الدنيا أبداً، ولا عبرة بالوجدان الذي جعلوه قائماً مقام الدين، لأنه كثيراً ما يخطئ، وهو علاوة على ذلك متحول لا يستقر، متبدل لا يسكن، وما يقنع به وجداني لا يقنع به وجدان غيري، فالعمل الواحد قد يكون صالحاً بالنسبة لفريق من الناس وطالحاً تبعاً لطائفة أخرى؛ لأن هذا العمل يوزن بموازين متفرقة ويقاس باعتبارات متباينة، أما الأديان وإن اختلفت طرائقها فإن نتائجها هي واحدة وهي الحصول على الخير والكمال في الحياة الدنيا والفوز بالنعيم المقيم في الحياة الأخرى، وقد بينت جميع الأديان الطريق التي يجب أن يسلكها متبعها وبالرغم من اختلافها في الوعورة والسهولة فإنها بينة واضحة لا تغيير فيها ولا تبديل مع تغير الأزمان وتبدل الأحوال. إن الأديان والأخلاق قد أمرت بالصدق والإحسان والرحمة ونهت عن القتل. فهل يعقل أن تتبدل هذه القواعد والمبادئ فيصبح الكذب مباحاً، والقتل مشروعاً، والرحمة ظلماً، والإحسان ضعفاً، والصدق كذباً ؟ كلا إن هذه قواعد أبدية أزلية وإذا شذ عنها فرد من الناس فمع وجود الأديان فإننا نرى الكثيرين يخالفونها ومع وجود القواعد الأخلاقية فإننا نرى الكثيرين يحيدون عنها مع علمهم بها، فهل نعد الأديان والقواعد الأخلاقية متبدلة لأن طائفة من الناس خالفتها؟ كلا لأن ذلك لا يستقيم مع المنطق الصحيح والعقل النير. يجب أن نعترف أن الأخلاق وحدها غير كافية لتسيير شؤون الخلائق؛ لأن مؤيد الأخلاق داخلي ضعيف؛ تؤثر فيه العواطف، وتسيطر عليه النـزوات والشهوات، وأما مؤيد الأديان فهو إله جبار قادر على كل شيء، عالم بكل خفية، سامع كل نجوى، محيط بما تكنه السرائر. إن هذا الذي نسميه بالوجدان لا يوجد في نفس كل إنسان! فقد يكون معدوماً في نفوس البعض! فكيف نجبرهم على أن يتبعوا القواعد الأخلاقية وهم لا يجدون من أنفسهم مؤيداً لها ولا زاجراً ولا رادعاً؟ والخلاصة أن مؤيد الأخلاق الوحيد هو الوجدان فإذا انعدم فلا مؤيد لها غيره. وأما القواعد الدينية فمؤيدها خارج النفوس فهو دائماً وأبداً موجود مهيمن عليها مطلع على شؤونها.