31 ديسمبر 2025
تسجيلفي كل عام تشهد الدوحة في مثل هذه الأيام تظاهرة معرض الكتاب تستمر بضعة أيام ثم تختفي بلا أثر أو تنفصل لتلتحق بكوكب آخر حتى تعود في موسمها القادم، القارئ في قطر يقرأ لنفسه فقط ليس هناك تيار ثقافي يمكن استشعاره بعد كل هذه العقود من استمرار ظاهرة معرض الكتاب، كان يمكن التعويل على طبقة وسطى ثقافية حتى تكسب مثل هذه المعارض والورش والندوات الثقافية نوعا من المصداقية والفائدة الحقيقية داخل المجتمع. مجتمعنا يعيش بلا طبقة وسطى ثقافية وتكاد تختفي منه أيضاً الطبقة الوسطى الاقتصادية كذلك، لذلك معرض الكتاب تماماً مثل ندوات الديمقراطية والهوية الشائعة منذ اكثر من عقد في مجتمعنا بلا أرضية حقيقية تنتج موادها الاولية، فهي لا تتعدى كونها مجالا للعلاقات العامة وتبادل الافكار النظرية التي انتجتها تجارب الآخرين وعقول الغير. معرض الكتاب في اعتقادي هو اللاصق الاجتماعي لمفهوم الطبقة الوسطى الثقافية لأن الكتاب هو محور الثقافة، هناك من يقول: ولكن انظر الى عدد المؤلفين القطريين والكتاب وغيرهم من الفعاليات الثقافية انهم في تزايد مستمر، ألا يدل ذلك على وجود طبقة ثقافية في قطر؟ أقول له نعم، هم في تزايد مستمر ولكنهم يعيشون مرحلة الاستقطاب الثقافي سواء الفردي او الايديولوجي، مما يجعلهم مجرد امتداد ولا يشكلون طبقة وسطى ثقافية نابعة من نفس المجتمع، لا تستطيع أن تؤسس طبقة وسطى ثقافية دون وجود مجتمع مدني مستقل، فيه جميع انواع المثقفين لا تستطيع أن تقنع أحداً بقيمة معرض الكتاب أو ندوات الديمقراطية أو الهوية دون أن يكون لها أرضية صلبة في المجتمع من مؤسسات وهيئات ونقابات مجتمع مدني، بودي أن أزور دور عرض هذه المؤسسات المدنية الحرة في معرض الكتاب فلا أجد لذلك المثقف عندنا مثقفا سياحيا يحفظ الكثير ولكن يفتقد الموقف، يفتقد المرجعية المدنية داخل وطنه، فالمثقف القومي جذوره هناك والمثقف الديني ايضاً جذوره خارج الحدود والعلماني ايضاً ابعد من ذلك لو أنهم انطلقوا من داخل المجتمع لأمكن قيام طبقة وسطى ثقافية غير مُستَلبة، تسند الطبقة الوسطى الاقتصادية المتآكلة وترفد التحول الديمقراطي الذي تنشده الدولة بيسر. هناك حالة من الفراغ في الوسط بين المثقف وانتماءاته لا يمكن ان تشغلها هذه التظاهرات، غياب هذه الطبقة جعل من المثقف عندنا مجرد ردود أفعال، الذباب الالكتروني المتزايد هو نتيجة غياب الطبقة الوسطى الثقافية، وكلما كان كثيراً كان غيابها قي المجتمع أكبر يمكن ملاحظة ذلك بوضوح في ازمة الخليج الراهنة. المجال العام هو مجال الطبقة الوسطى الثقافية، إذا غابت اصبح هذا المجال مجالا رسميا بامتياز، جميع الفعاليات تصبح بلا قيمة تذكر بل تصبح كدعوة على العشاء أو حفلة زواج ينفض المدعوون بعدها ليبقى العريس والعروسة يحتفلان ببعضهما البعض «الدولة ووزاراتها ومؤسساتها»، الطبقة الوسطى الثقافية هي مجموع الانماط الثقافية داخل المجتمع بها يستغني المجتمع عن الكثير من تجارب الغير، بها يستطيع أن يحقق التعايش دون عملية فرز قد تكلفه كثيراً في المستقبل، الحصار فرصة ذهبية للدفع في طريق ايجاد طبقة وسطى ثقافية تحتضن الجميع من خلال السماح بمكونات المجتمع المدني بالظهور والاستقلال عن جهاز الدولة، لا أعتقد ان هناك من يشكك في ولاء أهل قطر بعد هذه التجربة القاسية التي نمر بها، اشعر وأنا أزور معرض الكتاب وكأنني ذاهب الى سوبرماركت لأشتري بعض الحاجيات والكماليات لأنني لا أشعر بالجذر الثقافي بقدر ما أستحضر وجود الوزارة وهيبة الدولة، والفراغ الثقافي الذي يملأ المجال العام بين مركز الدوحة للمعارض وبيتي المتواضع. [email protected]