11 سبتمبر 2025
تسجيلمن المحزن أن العالم يسير أو يحاول السير إلى الأمام لاختراق مساحات المستقبل الأفضل المتوفرة إلا عالمنا العربي فإنه يسير إلى الخلف بملء إرادته، فالخير والشر خطان مستقيمان لا يلتقيان إلا على الجغرافيا العربية، فهناك تقاطعات لا تستطيع أي قوة خير إجبار مسارها على الثبات في وجه خطوط الشر السياسي الذي تبنته علنا غير دولة ممن لا تزال تعيش بعقلية الحرب العالمية الثانية، فسوريا كساحة صراع بين قوى الخير والشر أثبتت أن العالم العربي لا يزال يعيش في عقلية التابع الذي لا يستطيع أن يخرج بموقف واضح وحازم تجاه أهم قضية تتعلق بمصير مستقبله، فلا الصراع مع إسرائيل أنتج حلا عادلا، ولا الثورات أنتجت أنظمة بديلة على قدر من الكفاءة، ولا عقودا من الزمن الثري بالمال والسلاح كبح جماح الأطماع في الخليج العربي. في سوريا اختلف محور الخير ولم يتفق حتى اليوم على جبهة موحدة لمواجهة محور الشر المتحالف عسكريا داخل الأرض السورية، وسياسيا خارجها، فبات النظام هناك أقوى من قبل الحرب حتى، في ظل خطوط المفاوضات الأمريكية الإيرانية التي أعطت لطهران دعما لم تكن تحلم به، وبالتالي لم يكن هناك أي شرط على طاولتها لوقف الدعم عن نظام الأسد، بل ذهب الأمريكان إلى أبعد من ذلك حيث تم التفاوض مع حزب الله من أجل ترتيب الوضع الداخلي في لبنان عن طريق جهة وساطة عربية مقربة من طهران وحزب الله يعتقد أنها عراقية، على فرض أن منظومة الحكم في بغداد هي عربية. إيران بعد ثلاثين عاما ونيف من العقوبات، بدأت في استقبال وفود من شتى أنحاء العالم للتفاوض من أجل غايات الاستثمار فيها، وفتح أسواق جديدة لكبرى الشركات العالمية والأوروبية تحديدا، ففرنسا وألمانيا بدأت فعلا بالتجهيز لفتح أسواق السيارات والمصانع والتكنولوجيا هناك، وتركيا أيضا لم يضيرها الخلاف مع طهران حول سوريا من أن يعلن داوود أوغلو أن إيران جارة صديقة، فإمدادات النفط الإيراني ستتدفق نحو تركيا، وخطوط سكة حديد باكستان إيران تتوقع وصولها الأراضي التركية، والذهب التركي لا يزال يلعب دوره في المبادلات التجارية مع الصديقة اللدودة. العالم العربي في المقابل لم يعد عالما موحدا، بل أصبح جزرا متباعدة في محيط سياسي واقتصادي متلاطم الأمواج، فلا رابط بين شرقه وغربه إلا باليسير، فالمغرب العربي وجهته نحو أوروبا على الضفة الأخرى من البحر المتوسط، والمشرق العربي يحاول بائسا إظهار نفسه بمظهر الجار القوي والمتسامح أمام الجار الوحيد الذي تمدد حتى أصبح أخطبوطا والمتمثل بإيران التي لا تزال تتنفس برئة فارسية، وتحولت إلى مارد طويل اليدين، فمدت يمينها عبر العراق حتى سوريا وجنوب لبنان، ويسارها عبر بحر العرب نحو اليمن حيث مقاتليها هناك. مصر ـ أم الدنيا العربية ـ والدولة المضادة للمد الفارسي والخطر الإسرائيلي الصهيوني، والتي كنا نعول عليها النهوض مجددا من تحت ركام البساطير التابعة نحو دولة مصر العروبة والإسلام بكل قوة وأنفة، عادت لتنتكس ـ كنظام ـ تحت ركام أكبر من قبعات العسكر الجدد، وكأن في عمق الدولة العميقة هناك هوة خفية فيها صندوق الأسرار لمنع أي تطور لحياة 80 مليون مصري أو يزيدون، ويريدون حياة كريمة وبيئة سياسية واقتصادية نظيفة، ولكن القوة الخفية أعادت مصر إلى عصر الفراعنة حيث الرب العسكري يقرر دستورا جديدا دون وجود برلمان ولا هيئات قضائية مستقلة، ولا إعلام حرّ مستقل يؤشر على مكامن الخطأ والخطر. يبقى في الملعب دول الخليج العربي والأردن وهم يظهرون في آخر المطاف كحكام الساحة يرون الخطأ والتجاوزات والتدخلات من كل جانب ويرفعون الرايات التحذيرية ويؤشرون نحو مكان وقوع الخطأ، ولكن لا أحد يهتم، لأن الجماهير السياسية منقسمة على بعضها، والاتحاد السياسي والعسكري ضد عالمنا العربي أقوى من أن تناطحه الكف العربية التي سرعان ما تصافح كف العدو الذي تعود أن يصفعنا بشدة للأسف.. فهل سنرى تغييرا في مناهج سياستنا لنكون أكثر وحدة خير مقابل وحدة الشرّ، وهل ستحين الفرصة للعرب كي يكتشفوا أنفسهم من جديد لتفادي وقوع مصائب أكبر مما وقع ويقرّوا بشروط الواقع الجديد؟!