26 سبتمبر 2025
تسجيلتمر بلدنا ومنطقتنا عموماً بأخطار تهدد وجودها. وتعصف بكيانها، فهي في نظر العالم مصدر طاقة لا غير، مما يجعلها دائماً عرضة لتقلبات العرض والطلب والاستمرار والتوقف أو النضوب، وجعل وجودها بأكمله مرهوناً لهذا الجانب فقط الذي يهم العالم بالدرجة الأولى، فبالتالي هي في نظر الغرب أنابيب من النفط والغاز، أما في الجانب الإنساني فهي عرضة للاتهام المستمر في مستوى الحريات وقبول الآخر، لذلك في اعتقادي ان إقامة مسابقة كبرى رياضية وثقافية بمستوى كاس العالم لم تعد ترفاً بل باتت ضرورة وجودية لهذه المنطقة وتكريساً لوجودها كدول وإنسان وليس فقط كمصدر للطاقة على مستوى العالم، كأس العالم سيكرس قطر وجودياً كدولة والخليج كمنطقة، يوجد فيها إنسان بهذا المستوى من القدرة على التنظيم والإبداع وقبول الآخر والتفاعل الإنساني مع جميع الثقافات، اعترف ان مثل هذه الفكرة كانت غائبة عن الأذهان في بداية فوز قطر بالاستضافة، إلا انني اكتشفت اليوم أهمية هذا الحدث لتكريس دولة قطر وجودياً وسط محيط عاصف وإقليم متقلب. يوم ٢٠ نوفمبر الجاري، ستدخل قطر بالعالم العربي الى حيز وجود كان مقصوراً على القلة الذين كانوا يتحدثون عن الأولوية لهم وجودياً على غيرهم من سائر الأمم، اثنتان وثلاثون دولة يتعدى عدد سكانها مئات الملايين من البشر ستشخص أبصارهم نحو الدوحة، ليس وقتاً للخصام وتفريغ الشحنات السالبة، الحدث وجودي وإنجاز تاريخي كبير لم تحظ به دولة عربية من قبل وربما لا تحظى به اي دولة عربية مستقبلاً، اليوم ليس هناك مجال سوى الوقوف مع قطر ودعم جهودها الجبارة في انجاز هذا الحديث بما يليق باسم العرب جميعاً، نعم كان هناك تخوف وكانت هناك شكوك وترقب، لكن وقت هذا كله قد ولى، المباراة مع الانجاز قد بدأت والوقت مع تحقيق المكاسب قد حان، مكاسب بقياس التاريخ لا بقياس دكاكين التجزئة وأوكازيونات الخسارة والربح، الإنجاز التاريخي يقاس بفرادته مهما كانت تكلفته، ان تمسك باللحظة التاريخية في الوقت المناسب، ان تسجل اسمك في سجل الخلود في مجال من المجالات لا يمكن تقديره بثمن، قطر اليوم تسجل هدفاً تاريخياً باسم العرب في تاريخ الرياضة العالمية، وترسم معنى آخر للوجود الحضاري الناعم لها وللمنطقة فهي ليست مجرد خيوط من الذهب الاسود على رمالها الصفراء بل انسان قادر على الإبداع والإضافة للوجود الإنساني فكراً وتصميماً وإنجاراً وتنفيذاً.