11 سبتمبر 2025
تسجيلإن شئت تسميتها منصّات اجتماعية أو منصات انتهاك، هي بلا شك وسائل مخابراتية بحتة قُدِمت بأسلوب اجتماعي محبب، حيث باتت الخصوصيات والأسرار تقدم طواعية على طبق من ذهب. كان آخر هذه المتغيرات تغيير شروط الخصوصية في برنامج سناب. شات الذي لم ينقل الصور فحسب بل تفاصيل الحياة اليومية لكل مشترك، بل يزيد كونه مثل التدخين ينتهك خصوصية الآخرين بإشراكهم في التصوير السلبي دون علمهم أيضاً بعدسة غيرهم دون رجعة أو تراجع. وقد استطاع أن يكون له رصيد ضخم من الجمهور نظرا لتميزه بداية بخاصية عدم التخزين فضلا عن آنية المراسلات والتي جعلته يسحب البساط عن كثير من وسائل التواصل الاجتماعي فكانت بمثابة الطعم الجماهيري لتغذية نسبة مستخدميه واستمرائهم على الإدمان عليه قبل الإفصاح السبت الماضي عن تغيير الشروط بإعطاء نفسه الحق في استخدام صور مستخدميه أو مع طرف ثالث، ثم عودته يوم الأمس 2 نوفمبر وإعلانه أن التحديث أشكل لبسا لدى المستخدمين وإنه لم يشمل صور المستخدمين جميعا إلا ما كان فيما يتعلق بما ينشر بهدف "Live snaps " مثل فيديو الدول أو الاستخدام التجاري، وهنا يبقى القرار على المدمنين من التفكك منه من عدمه خصوصا وأنه وسيلة نقل حية ومباشرة يقدم فيها الفرد للشركة بموجب هذه المشاركات مادة مجانية خصبة، ولا نعلم إذا ما كان من شروط جديدة تعده الشركة لبسا أم تصحيحا، خصوصا وأنني نفسي أشك في آلية تكرار الصورة replay مرة واحدة فقط، ومن ثم تحويل الشركة طلب أي replay تكرار نظير مبلغ معين، إذا ً أين تخزن الصور لفترة أطول لاستخدامها للربحية حين يطلب المستخدم تكرارها مثلا حتى قبل طرح شروط جديدة وادعاء سوء الفهم.هذا مثال واحد فقط ويهون الأمر عند إعلان شروط مسبقة تمكن المستخدم من اتخاذ قراره دون تغييب.. حيث إن هناك الكثير من أمثلة الهيمنة الانتهاكية للخصوصية في وسائل التواصل الاجتماعي مهما ادعت غير ذلك، فالتاريخ يكشف يوما بعد يوم حقيقة بدأت بفرضية وهي كونها وسائل استخبارات ذكية، غدت حقيقة وحديث العالم ليس لدى الشرق فحسب بحجة التدين أو الخصوصية الثقافية، ولكنها لدى الغرب أيضاً بحجة أهم وأخطر وهي الحجج القضائية لاختراقها أمن الأفراد وخصوصياتهم وأمن المعلومات بل وأمن الدول في فضاء استخباراتي بحت بات يرشق بعضه بعضا.السذاجة الفكرية والمهنية وللأسف لم تدفع عددا من قضاة العرب إلى الوقوف في وجه تلك الشركات لمحاسبتها قبل محاكمتها ومقاضاتها كما دفعت محامي الغرب إلى ذلك ومن رحم ذات القوانين. وحين أنه لا يعلم مشتركو العرب أين تخزن معلوماتهم وبياناتهم الشخصية، نجح مؤخرا طالب حقوق نمساوي في معركته القضائية ضد "فيسبوك" الذي يتهمه بالقيام بمساعدة وكالة الأمن القومي الأمريكية في جمع البيانات الشخصية للأوروبيين المشتركين فيه ونقلها من فرعها الأوروبي الرئيسي في دبلن إلى مقر الشركة الأم في خوادمها الرئيسية في أمريكا. النجاح القضائي للطالب النمساوي سميّ "بالحكم التاريخي" حيث عكف صاحبها منذ فترة على قضيته دون هوادة خصوصا وأن محكمة في فيينا رفضت القضية في البداية لاعتبارات إجرائية الأمر الذي حدا بالفيس بوك بالثناء على القرار بحجة عدم جدواه مدعيا بالحماية التي يوفرها الفيس بوك لخصوصية مستخدميه، وهذا ما يقتضينا التنبه مرة أخرى لدعاءات الشركات. لذلك فصاحب القضية النمساوي رغم كونه طالبا في القانون لم ييأس مستخدما علمه وحجة القانون وأدلته الدامغة بانتهاكها للخصوصية مطالبها بدفع 670 دولارا لكل مستخدم أوروبي.وبقوة القانون فقط تم الطعن في قرار المحكمة النمساوية ورفعت للمحكمة الأوروبية حيث استطاع الطالب النمساوي آخر أكتوبر الماضي أن يقنع محكمة العدل الأوروبية العليا وهيئة حماية الخصوصية في أيرلندا بمقاضاة الشركة في أمريكا، والنتيجة أن طالبت المحكمة الأوروبية العليا ببطلان العمل باتفاقية "الملاذ الآمن" والتي سمحت على مدى 15 عاما لأكثر من 4 آلاف شركة أمريكية بنقل معلومات الأوروبيين الشخصية من أوروبا إلى موقع الشركة في أمريكا دون معايير أمنية عالية، الأمر الذي جعل خصوصيات الأوروبيين عرضة للتجسس عليهم لدى وكالة الاستخبارات، وكانت قضية ذات حقّ حركت وزراء العدل في أوروبا إيذانا ببدء سنّ اتفاقيات جديدة مع الولايات المتحدة الأمريكية تقضي بحماية خصوصيات الأوروبيين من التجسس الذي سموه بالـ"دخول غير المقيد والمباشر لوكلاء الاستخبارات الأمريكية" الأمر الذي وضع الـ"فيس بوك" مؤخرا تحت التحقيق ووقف الإجراءات غير المنصفة تجاه المستخدم في أوروبا والذي سيحدو بالشركات الأمريكية البحث عن بدائل أمنية.وحين أن العقل الغربي يتجه لإحقاق الحقوق في إجراءات قضائية لافتة للانتباه، تأتيك المفارقات المبكيات المضحكات لدينا في الخليج العربي من بعض من يسمى نفسه "بتاع كلّه" باحثا، قاضيا، داعية بل ودكتور عندما أجهد نفسه واستنزف تخصصه وظهر على الصحف -وفقا لما نشرته صحيفة عكاظ السعودية- مطالبا بمقاضاة مديري مجموعات"What 's Up" "Gorups" عند قيام مدير المجموعة بطرد أحدهم من المجموعة "شات" داعيا إياه أن يتقدم بذلك للقضاء بحجة الطعن في سمعته والنيل من مكانته. وليت المحامي الدكتور طالب على الأقل شركة الواتس أب بوضع شرط الخصوصية أولا وعدم السماح لشخص باقتحام حسابات الآخرين بوصول صور أو رسائل بمجرد وجود الرقم في الهاتف الشخصي، أو ليته طالب بمواجهة من ينتهكون الخصوصية الفردية ويزجون بعضهم ببعض في مجموعات فضلا عن تمرير أرقامهم وبياناتهم وصورهم ومعلوماتهم الشخصية لـ"من هبّ ودبّ" قبل استئذان الشخص، بل ليته وهو الأهم ومن جانب مهني أمني سخر علمه ومهنته في اكتشاف مكامن اختراقنا من قبل هذه الوسائل على مستوى دولي بدلا من التشبث فيما لا يفيد. وإذا كنا نستخف مثل هذه الأنواع من المقاضاة كان الأجدر أن ينطلق قضاتنا إلى قضايا أهم وأكبر فيما يتعلق بالمخاطر الحقيقة لهيمنة واختراق وسائل التواصل الاجتماعي – الاستخبارات الذكية- لبياناتنا الشخصية التي تخزن هناك في خوادم أمريكية وإن ظهرت لنا صديقا، فهي عدو في ثياب صديق.والسؤال الذي يطرح نفسه هنا في الخليج وفي الوطن العربي بعد نجاح طالب قانون في تحريك دعوى عن طريق "هيئة الخصوصية" والمحكمة العليا في الاتحاد الأوروبي ضد (الفيس بوك)، هل لدينا قوانين محلية أولا لحماية الخصوصية الفردية وخصوصية البيانات الشخصية؟ وما مدى تفعيلها؟ وأين تقع الخوادم "السيرفرز" التي تخزن البيانات الشخصية للمستخدمين؟ وهل هناك مظلة مؤسسية وقانونية إقليمية -خليجية أو عربية- لحماية المستخدمين كما القوة القانونية الأوروبية؟ وإن وجدت.. هل لدينا قضاء قوي نستطيع من خلال مؤسساته النفاذ إلى قضايا كبرى مهمة في مواجهة اختراقنا الدولي؟القضية أكبر من مجرد خصوصية فرد، إنها أمن دولي لمن يفطن.