17 سبتمبر 2025
تسجيليحصل في كثير من الأحيان بأن تشعر أنك " تأذّن في خرابة " بمعنى أن لا تسمع سوى صدى صوتك عندما تُقدّم نصيحتك لأحدهم، أو حينما تُظهر اهتمامك بالصالح العام الذي طالما عانيت الأمريّن لتحقيقه ولم تجد من وراء ذلك الاهتمام سوى الصمت القاتل، ولماذا؟ " المخرج عاوز كده!". النصيحة الحقيقية هي أن تقدم لأحدهم شيئاً ثميناً على طبق من ذهب في زمن النفاق.. النصيحة النابعة من القلب هي أن تروي عقل أحدهم بحقيقة دون مقابل للحصاد الذي سيجنيه.. والحقيقة مرّة كما ذكر الشاعر عوض سلامة العنزي في أبياته: آه مامرّ الحقيقة والحقيقة موجعة الحقيقة سيف مايرضى الميول والحقيقة شمس ماترضى الافول وآه مامرّ الحقيقة ولكن الناس في هذا الزمن للأسف لا يحبون الناصحين ولا الاستماع لكلمة الحق... وحتى لو استمع إليك البعض... واحسرتاه " يسمعون من هالإذن ويطلعون من الإذن الثانية "، فمهما تحدثت معهم بعقلانية ووضوح من باب النصيحة لا أكثر فإنهم بدايةً سيبدون اهتمامهم وفي نهاية الأمر يصبح الاهتمام بالأمر " فشوش " وكأنما كلامك أصبح كالسراب... وقد قال صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ، إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ، إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ، قَالُوا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ِللهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِنَبِيِّهِ، وَلأَئِمَّةِ الْمُؤْمِنِينَ وَعَامَّتِهِمْ. - وفي رواية: إِنَّمَا الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قَالُوا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ِللهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ". والمتأمل لهذا الحديث الشريف أن الدين بأكمله قد بُني على النصيحة ولكن: من يفهم؟ ولا يتقبل النصيحة إلا شخص عاقل يُدرك بأن من اهدى إليه عيوبه ونبهه إلى أن هناك خطأً ما في تصرفاته فإن ذلك لن يقلل من قيمته أبداً، إنما هي فرصة لتصحيح ما لم يعيره انتباهاً سواء في تصرفاته أو نفسه. ولكن يحدث في كثير من الأحيان بأنه لا توجد نتيجة تُذكر بعد تقديم النصيحة، فلنضرب مثالاً على ذلك فيمن يريد الصالح العام في جهة من الجهات الحكومية، كالقضاء على الفساد الإداري وعلى عنجهية بعض المسؤولين، فيحدث بأن يقوم أحدهم بإبداء وجهة نظره في تلك الأخطاء واحتجاجه عليها أمام صاحب القرار وبين يديه ما يثبت ذلك، فيكون صاحب القرار منفعلاً بداية الأمر ومن ثم " عشرون خبطة" على طاولته من شدة الانفعال وتعقبها صرخة من هول الصدمة من هذه الأفعال الشنيعة وفي نهاية الأمر لا يوجد أي " أكشن "، ولذا "مفيش فايدة يا صفية! ". وأحياناً قد يكون الخطأ الفادح منتشراً والجميع يعلم به إلا صاحب القرار وفي أحيان أخرى هو يعلم بتلك الأخطاء ويعترف بوجودها ولكنه لا يحرك ساكناً ولا يحاول تصحيحها،، فكما قال ابن القيم رحمه الله: فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة.... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم.. ولا أشد من ذلك إلا أن يكون " ولد عمك أصمخ "، ولهذا كتبت أم لم تكتب... نطقت بالحق أم صمت، ففي جميع الأحوال: " مفيش فايدة يا صفية! ويُذكر في احدى الروايات بأن سعد زغلول عندما كان على فراش الموت من شدة مرضه وقد يأس من محاولته للإصلاح السياسي في مصر قال لزوجته صفية: " شدي اللحاف يا صفية مفيش فايدة "! وقد اختلفت الآراء حول سبب هذه المقولة غطينا كلنا يا صفية خلاص مفيش فايدة نقطة فاصلة: " من يعضون اليد التي تطعمهم عادةً ما يلعقون الحذاء الذي يركلهم".. إريك هوفر.