19 سبتمبر 2025
تسجيلفي عالم الاتصالات والتكنولوجيا كانت شركة نوكيا تتربع على العرش في هذا المجال حتى أتت موجة التطور واصبح تطور الجهاز والكماليات أهم من الجوهر وهو جودة الاتصال وقوة الارسال. في السنوات العشر الاخيرة تصدرت شركتا أبل وسامسونغ المشهد ويكاد لا يوجد أحد لا يعرف هذين العملاقين في مجال التكنولوجيا. سنويا مئات الملايين ينتظرون بشغف مؤتمرات هذه الشركات للاعلان عن منتجاتهم الجديدة وتبدأ المقارنة المتكررة بين منتجاتهم وكل فريق يحاول ان يبرز مميزات الشركة التي يميل لها ويظهر عيوب الشركة المنافسة من باب المنافسة المشروعة. "نظرية التطور تواكب كرة القدم" ليونيل ميسي وكرستيانو رونالدو وسأشبههم هنا بـ"سامسونغ وأبل" كرة القدم هم من تربعوا على عرش الأفضلية في عالم المستديرة في السنوات العشر الاخيرة وأصبح المتابعون في كل موسم يقارنون بين البرتغالي والارجنتيني ويضعون معايير خاصة لتحديد الافضل بينهم فتارة هي الاهداف وتارةً اخرى هي الصناعة. وطوال فترة هيمنتهم على العرش كان السؤال المتكرر هو من سيكسر هذه الهيمنة ؟ في عالم التكنولوجيا أغلب الآراء تقول بأن من سيكسر احتكار أبل وسامسونغ سيكون أمتداد لما تقدمه الشركتان من تطور وكماليات على سبيل المثال جوجل و هواوي. وبالحديث عن كرة القدم فكانت التوقعات تشير بأن اذا كان هنالك لاعب سيكسر هيمنة ميسي ورونالدو فبلا شك سيكون هذا اللاعب خاضع لنفس المعايير وهي التسجيل وصناعة الاهداف بل حتى في السنوات الاخيرة دخلت المراوغات كأحد معايير تقييم الأفضل لدى الجماهير. والاسماء الاكثر رواجاً كانت امبابي ، نيمار ، هازارد ...إلخ. لكن ماذا لو كسرت نوكيا هيمنة أبل وسامسونغ ؟ هذا الرأي بلا شك سيجعل قائله يتهم بالجنون! ولو قال أحدهم قبل 6 أشهر فقط بأن من سيكسر احتكار ميسي ورونالدو هو لاعب وسط فبكل تأكيد سيُتهم بالجنون. وفوز مودريتش بجائزة افضل لاعب في العالم هو الجنون بعينه في عالم كان يعيش على ارقام ميسي ورونالدو. فوز مودريتش هو انتصار "لجوهر" كرة القدم الامر الذي يكاد يُنسى مع حمى المقارنات. مودريتش لم يسجل أكثر من رونالدو ولم يصنع أكثر من صلاح منافسه على الجائزة لكن كان الأكثر تأثيراً هذا الموسم والمواسم السابقه أيضا بل انه الجندي المجهول في ريال مدريد لم يُقصى أبداً من دوري الابطال منذ ان اعتمد عليه انشيلوتي وجعله حجر اساس في الريال ، والسنه الوحيدة في آخر 5 سنوات التي اقصي فيها الريال كانت في 2015 وكان مودريتش غائباً عن مواجهه اليوفي بسبب الاصابة. موسم مودريتش لم يتوقف في كييف بعد نهائي الأبطال بل استمر الساحر الكرواتي بنثر سحره في المونديال الروسي وقاد منتخب بلاده كرواتيا إلى نهائي المونديال في اول مره في تاريخ هذا البلد الذي عانى الأمرين من الحروب في تسعينيات القرن الماضي ، وبالرغم من الخسارة الكبيرة في النهائي إلا ان مودريتش حاز على جائزة أفضل لاعب في المونديال بالرغم من أن هازارد أحد اللاعبين المهاريين قدم مستوى مميزا أيضاً ، ولكن كانت أولى خطوات الانصاف لمودريتش بشكل خاص وللاعب الوسط بشكل عام. في السنوات العشر الأخيرة عانى اللاعبون في هذا المركز من الظلم بسبب الأرقام الخرافية التي يكسرها ميسي ورونالدو، فتخيل عزيزي القارئ بأن لاعبين مثل تشافي ، انيستا ، شنايدر وحتى توني كروس الذين قدموا مواسم خيالية في السنوات الاخيرة لم يتم انصافهم بسبب هذه الارقام. مستوى مودريتش الذي توجه بالجوائز الفردية هذا العام لم يكن الأفضل له في مسيرته ولكن اغلب المتابعين لم يمانعوا ذلك بل اعتبروه كما اعتبرته انا هنا انصاف لمسيرته العظيمة وانتصار لجوهر كرة القدم التي هي في الأصل لعبة جماعية ولا يجب حصر التميز فيها والأفضلية على الاهداف فقط ففي ذلك ظلم لباقي اللاعبين الـ 11 على ارضية الملعب. فوز مودريتش بالجائزة اليوم قد يكون بداية حقبة لإنصاف باقي المراكز وقد يفتح الباب أمام لاعبي الوسط "الجنود المجهولون" في اللعبة ونشاهد اسماء مثل نغولو كانتي ، دي بروين ، فيراتي وبوغبا يتوجون بهذه الجوائز في السنوات القادمة. أم يا ترى هي مجرد "استثناء" في عالم الكرة الذي اصبح مهووسا بالأرقام كما كان فوز كانافارو بالجائزة في 2006.