08 أكتوبر 2025
تسجيلتأخُرُ الحسم في سوريا، وما يدفعه الشعب السوري ضريبة باهظة من دماء وعذابات أبنائه، بسبب إصراره على مواصلة حراكه الثوري على النظام الديكتاتوري، سببه يتلخص في أمرين رئيسيين الأول: وقوف قوى إقليمية ودولية بقوة إلى جانب الأسد، منذ الأيام الأولى للثورة ودعمها له بكافة الوسائل المادية (مال وسلاح ومقاتلون..) والوسائل المعنوية، وصولا إلى التبجح بهذا الدعم، والآخر: موقف متخاذل للمجتمع العربي والإسلامي والدولي الذي يدعي بلسانه أنه مع حق السوريين في معركتهم لاسترداد حريتهم وكرامتهم المسلوبتين، ولكنه عمليا يسلمهم للذبح، بسبب عدم الأخذ على يدّ جزّار سوريا وداعميه من الصفويين والروس، أو تقديم أي دعم للثوار يعينهم، على اتقاء ضربات طائراته وراجماته، وليس لتحقيق تفوق كبير عليه. ولو خلّى الداعمون للأسد بين هذا النظام وشعبه، لما كان الشعب السوري ربما بحاجة لمساندة أحد، وإن كان التعاون لنصرة الحق ودعم مطالب الشعوب في الحرية لا ضير فيه. لم تواجه ثورات الربيع العربي الأخرى في مصر وتونس وليبيا واليمن ما واجهته الثورة السورية، من وحشية النظام الحاكم أولا، ووجود تدخل خارجي سافر (كما في حالة النظامين الروسي والإيراني)، وتخلي المجتمع الدولي عن واجبه الأخلاقي والإنساني تجاههم، سقط النظام المصري والتونسي سريعا، بعيدا عن أي تدخلات ودعم لهما، ووقف المجتمع الدولي إلى جانب الشعبين الليبي واليمني لما رأى من بطش القذافي وعلي صالح غير المأسوفين على حالهما، أما في سوريا، فحصل عكس ذلك تماما وبصورة مسبوقة، فثمة من يعين الظالم على ظلمه، وثمة من يصمت على جرائم الظالم ولا يقدم للمظلوم أي عون، رغم التباكي عليه في الظاهر. وإذا كان شر البلية ما يضحك فإن أكثر من يتحدث عن التدخل الخارجي في الأزمة السورية، هم داعمو الأسد خصوصا إيران وروسيا، ويزعمون دعم الثوار والجيش الحر بالسلاح، من قبل قطر والسعودية وتركيا رغم أن هذه كذبة كبرى، لأن أغلب أسلحة الجيش الحر خفيفة، بينما يدعمون النظام بكافة صنوف السلاح والعتاد، كما يتحدثون عن "القاعدة" وجماعات إرهابية تقاتل في الداخل السوري، وهو إن صح فنادر، وقد حصل بغير غرادة الثوار السوريين، في حين أن الحرس الثوري وجنود حزب الله ومليشيات عراقية موالية لإيران لا تتوقف عن التدفق على سوريا، وقد اعترفت طهران مؤخرا بوجود خبراء من الحرس الثوري. إن حالة الانسداد في الأزمة السورية وما آلت إليه الأمور من تطورات لا تتحملها الثورة السورية أو الثوار، بل نظام الأسد ومن وقف معه ضد هذه الثورة. فالمعروف أن الثورة بدأت سلمية واستمرت على هذا المنوال قربة ستة أشهر، لكن وحشية النظام في قمعها، ومخططه لاستدراجها نحو حمل السلاح، للدفاع عن النفس والأعراض أولا، ولإسقاط النظام تاليا، غير مسارها، على نحو لم تكن ترغبه، أو تخطط له أصلا، لأنها كانت عندما انطلقت تستلهم الثورتين في مصر وتونس. بعد نحو ثمانية عشر شهرا من عذابات الشعب السوري، وخذلان المجتمع الدولي له، على الدول والقوى الإقليمية والدولية تَحَمُل تطورات الأمور، التي من الممكن أن تقع بين لحظة وأخرى، واحتمالات خروج الأمور عن السيطرة ـ وهو لم يعد مستغربا ـ وليس لأحد أن يلوم هذا الشعب بعد كل هذا الصبر والتحمل، أو يفرض عليه أي شروط وهو من خرج يطالب بحقه في الحياة وفي الآدمية البشرية. إنّ منظري وكتّابي وسياسيّ هذا العالم المنافق يحذّرون تارة من "القاعدة" واتساع سطوة ما يسمونه بالجماعات الإرهابية بعد أن وجدت أرضا خصبة لها، ويحذرون من تحول ما يحدث إلى حرب أهلية طائفية بحكم التركيبة السكانية، أومن وقوع الفوضى وامتداد شررها لدول الجوار، ويحذرون من حرب وصراع إقليمي على أسس طائفية قد يكون قطباها الرئيسيان إيران وتركيا.. ويحذرون ويحذرون، دون أن يفعلوا شيئا.. فهل سيكتفون بالتحذير فقط، وهل عليهم ألا يتوقعوا بألاّ تتطور الأمور إلى ما لا يحمد عقباه، مع تطاول أمد الأزمة واشتداد بطش النظام، الذي صار يتبع سياسة الأرض المحروقة وقصف الطيران والمجازر الجماعية منذ عدة أشهر. واضح أن المتحكمين الغربيين في المجتمع الدولي أو في مفاصل مهمة فيه على الأقل لا يريدون لاعتبارات معينة انتصار الثورة، ويعرقلون سيرها نحو الأمام من طرف خفي، ويسكتون على الظلمة، ولا يقومون بما قاموا به في ليبيا أو كوسوفا، والنتيجة استنزاف طاقات أبنائها وتدمير البنية التحتية للدولة السورية لذا فإنهم على المستويات الإقليمية والدولية يتحملون وزر الدماء التي تسيل والضحايا والعذابات الكبيرة مثلهم مثل النظام الأسدي وحلفائه سواء بسواء، ومن ثم فإن عليهم أن يتحملوا هم ومن يرضونهم ضمنا نتائج خروج الأمور عن السيطرة، في أي لحظة، وعندها يصعب التحكم بشرر النار المتطاير، الذي يحرق الجميع دون تمييز.