13 سبتمبر 2025

تسجيل

واجب أخويّ بعد استحكام حلقات الأزمة الإنسانية السورية

03 سبتمبر 2015

تعرّضت السلطات المجرية لانتقادات من حكومات دول أوروبية كفرنسا وألمانيا بسبب إساءتها معامله اللاجئين والاستهتار بحياتهم، وخرج أكثر من عشرين ألف متظاهر في بودابست منتصف هذا الأسبوع للاحتجاج هذه السلوكيات المشينة، وعمل متطوعون مجريون ومؤسسات خيرية غربية لتقديم مساعدات إنسانية عاجلة لهؤلاء اللاجئين ـ وأغلبهم من السوريين ـ في ظل ظروف إنسانية صعبة جدا، كما تواصلت مظاهرات في محطات القطار القادم من المجر بفيينا، تعبيرا عن تضامنهم مع هؤلاء اللاجئين، مصحوبة بتقديم الماء والغذاء والدواء لهم، فيما غابت بالمقابل ردود أفعال الجهات الرسمية العربية والإسلامية، وتحركات الجهات الشعبية والفعاليات الحزبية العربية والإسلامية فيها إزاء ما يتعرض له إخوانهم اللاجئون، والوقوف إلى جانبهم والتوعية بحقوقهم ومعاناتهم والاحتجاج على الممارسات السلبية التي يتعرضون لها، يضاف إلى ما سبق غياب للمنظمات الخيرية العربية والإسلامية عن أداء دورها في الوصول إلى هذه الشرائح التي تقطّعت بها السبل، وكأن الأمر لا يعنيها مطلقا من قريب أو بعيد. تتحمل الدول العربية والإسلامية ـ حكومات وشعوباً قسطاً لا يستهان به من المسؤولية إزاء ما آل إليه حال السوريين، واستمرار تدفقهم لأوروبا رغم ما يتعرضون له من مخاطر ومصاعب جمّة كالجوع والغرق والخنق، لأن تدفق اللاجئين المتصاعد والمتواصل إلى أوروبا خصوصا في الشهور الأخيرة تقف وراءه جملة عوامل لعل من أهمها: التضييق الذي يعاني من اللاجئون السوريون في أغلب دول الجوار التي اضطروا للإقامة فيها، سواء في مجال العمل لتوفير دخل معقول يسدّ رمقهم، أو توفير الدراسة لأبنائهم والرعاية الصحية لأسرهم، كما يعانون من تقييد حرّية تحركهم، يضاف إلى ذلك فقدان الأمل لديهم بحل وشيك للأزمة في بلادهم، وعدم وجود ضوء في آخر النفق الذي ولجت قضيتهم فيه. ولأن تدفّق اللاجئين سيتواصل في الفترات القادمة كما تشير التقارير للأسباب التي أشرنا إليها أو لغيرها من الأسباب رغم صعوبة الطريق ومخاطرها، والإجراءات المشددة والمعوّقات التي تتخذها الدول الأوروبية بعضها أو كلها، فإنّ الواجب الأخوي والأخلاقي للدول العربية تجاه إخوانهم أبناء الشعب السوري حكومات وشعوبا ومنظمات مجتمع مدني، ومؤسسات خيرية توجب عليهم ما يلي: ـ النظر إلى المأساة الإنسانية السورية بمنظار مختلف، فلم يسبق لأزمة أو كارثة بشرية أن اضطرت أكثر من 4 ملايين شخص لترك بلادهم واللجوء لدول أخرى قريبة أو بعيدة، وأكثر من 7 ملايين شخص للنزوح عن ديارهم، فضلا عن هذا الكمّ من الضحايا الذين قتلوا أو أصيبوا أو غيّبوا، وهو ما يشكل أكثر من نصف عدد الشعب السوري يضاف إلى ما سبق ظروف انعدام الأمن والخدمات الرئيسية وصعوبة الظروف المعيشية، وهو ما يقتضي دعما ماديا ومعنويا على المستويات الرسمية والشعبية يكون على مستوى وحجم الكارثة. ومن هذه الأمور على سبيل المثال لا الحصر: 1ـ فسح المجال، بل وإعطاء الأولوية لأصحاب التخصصات والكفاءات العلمية والمهنية للعمل في الدول العربية التي تحتاج للعمالة في المهن الطبية والهندسية والتربوية والتجارية وغيرها، على اعتبار أنّ هذه الدول أولى بهذه الكفاءات المتمرّسة أو الشابّة من أوروبا. 2ـ زيادة المخصصات الحكومية وغير الحكومية للاجئين السوريين، والتي من شأنها دعم العمل الإغاثي الطارئ أو التنموي المستدام، ومن الأمور التي ينبغي التركيز عليها هو إيجاد مصادر دخل للأسر اللاجئة من خلال تمويل المشاريع الصغيرة المدرّة للدخل ومشاريع التمكين الاقتصادي، وما يلزمها من تدريب وتطوير للإمكانات البشرية، وتوفير المدارس والمنح الدراسية على المستويين الجامعي والمهني. 3 ـ تحسين ظروف المخيمات، والتخفيف من التضييق الذي يعاني منه اللاجئون كما في لبنان مثلا، وتقديم الدعم المالي للمنظمات الإنسانية الدولية والإقليمية، وللجمعيات الخيرية العربية من أجل زيادة مشروعاتها، فضلا عن عدم تقليصها كما حصل مؤخرا من قبل منظمات أممية. 4ـ تشكيل فرق إغاثية طارئة أو التعاون مع منظمات محلية هناك لتقديم المساعدات العاجلة للاجئين في اليونان وغيرها من الدول الأوروبية، تخفيفا من معاناتهم كالماء والغذاء والإيواء، ما أمكن ذلك. ـ إصدار بيانات رسمية تتضمن إدانات واحتجاجات على التصرفات غير اللائقة إنسانيا والحملات العنصرية والعراقيل الكبيرة في التعامل مع اللاجئين الذين يتوجّهون لأوروبا من قبل بعض الدول والأحزاب الأوروبية، على اعتبار أن اللجوء لدول أخرى حقّ كفلته كافّة الأديان والقوانين الدوليّة في ظل الظروف الاستثنائية. ـ تنظيم حملات تأييد ومناصرة على شبكات التواصل الاجتماعي باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، وأخذ زمام المبادرة من قبل وسائل الإعلام العربية خصوصا المرئية، لإظهار حجم معاناة اللاجئين السوريين ومخاطر رحلات الموت من جهة، وتنظيم حملات ووقفات احتجاجية على الممارسات اللاإنسانية لبعض الدول الأوروبية في تعاملها معهم من جهة أخرى، وتشكيل رأي عام أوروبي ودولي ضاغط عليهم لتعديل هذه المواقف وتسهيل عملية اللجوء. لعلّ هذه بعض المقترحات قياما بالواجب الأخوي والأخلاقي والإنساني تجاه شعب يواجه أقسى النكبات والأزمات، وكان قبل أزمته يستقبل بترحاب وكرم كل من لجأ إليه أو قصده، عربا وعجما، مسلمين وغير مسلمين، بغض النظر عن الدين والمذهب واللون والعرق والاثنية.