17 سبتمبر 2025
تسجيلعندما يتسلل الضعف ليصيب الفكر المعتدل وينال من الاتزان فإن الاهتزاز الناجم عن هذا التسلل لا يبرح أن يشكل هلاكاً للقيمة الأخلاقية التي أسستها العقيدة السليمة، وعززت من تكوينها بأطر صائبة من خلال زرع القيم المؤصلة لحسن الخلق، وحينما يجهز هذا التسلل على الرادع الحسي المتكئ على صلب الوقاية المستندة على قوة التأسيس والتأثير من جهة والقناعة المطلقة تجاه هذا الأمر من جهة أخرى، فإن السؤال الذي يطرح نفسه وبإلحاح هو كيف يتم الاختراق على هذا النحو؟ ففي الوقت الذي يحافظ فيه الإنسان على الشرف والكرامة كعناصر مؤثرة تساعد على الاستقرار النفسي المؤدي إلى الاطمئنان، تنبري خلايا الشر من خلال غزو الإحساس المطمئن لتضعف المناعة وتنال من هذه الثقة بأساليب مختلفة بدءاً بتمرير المخالفات البسيطة التي لن تغدو بسيطة بحال من الأحوال حينما يستشري الوباء، وفقاً لاستغلال متقن واستدراج محكم بإيحاء ينبئ بأن هذه المخالفة صغيرة ولا تستوجب كل هذا العناء، غير أن خلل الرماد لا يلبث أن يشعل فتيل النيران لأن من يستهين بالأمر السهل لن يشكل عليه الأمر الصعب غضاضة، في استسهاله والإتيان به، وهكذا يُحاصر الضمير اليقظ في زاوية ضيقة إذ إن إنهاكه بهذه الصيغة لم يكن سوى استمالة الجانب الضعيف في النفس بإغراءات قد تبدو للوهلة الأولى مجدية، إلا أنها في واقع الأمر طعم يؤدي إلى هذا الطريق المظلم، ورغم توافر الوسائل التي كان يعتقد بأنها السبيل إلى بلوغ السعادة، إلا أن الفكاك من مشاعر الأذى الراسخة في الوجدان حتماً ستحيله إلى مجموعة من اللحم المترهل، الذي لا قيمة له البتة، وهذا ما يؤرقه، لأنه يشعر بفقدان القيمة تلك وفرض النتيجة الحتمية المخزية، ولعل من أبرز المفاهيم المهيئة لاستمرار هذا الوقوع المزري هو الإحساس الخاطئ، بأن الرجوع عن الخطأ وإيقاف مده قد فات، وأن السبيل إلى التصحيح صعب المنال، وهذا الخطأ بعينه، فمجرد الاستمرار يعني سبقاً للإصرار ولو أنه استجاب لوخزة الضمير الأولى إبان شروعه في ارتكاب الخطأ الصغير وعاد ليشتري نفسه وكرامته التي سُلبت في غفلة منه، لحرر نفسه من قيود الشعور بالذنب الملازم له كظله، فيما يعد التشديد بتطبيق الأنظمة على المخالفين ضرورة حتمية لحماية المخالف من نفسه الأمارة بالسوء ولحماية البلاد والعباد من شره وشروره، لأن إساءة الأدب لن تجد غطاءً أفضل من التهاون، وفي واقع الأمر فإن محاربة الفساد وبكل أشكاله المنتنة، وأنماطه المختلفة، مسؤولية مشتركة بمعنى أن العقاب وحده ليس كافياً للردع ما لم يتم اختراق الحس الوجداني، وتفعيل الرقابة الذاتية، ومحاسبة النفس وتجسيد هذه الأطر لن تتحقق ما لم تتوافر العوامل المساندة لترجمتها على الأرض، سلوكاً سوياً، ينبري له الإخلاص في التوجه بشعور يفيض حباً ورحمة في انتشال المخالف من أوحال الخطيئة رحمة به لا شماتة تحاصره في زاوية الازدراء والنبذ، فلم يكن الخطأ ليقصد المخطئ، ويتمكن منه لو أن الحواجز المعنوية المؤثرة أسهمت في التنبيه والتحذير من مغبة هذا الطريق المؤذي في الدنيا والآخرة، واستشعار الخطأ الذي لا يبرز تأثيره إلا بعد وقوع الفأس في الرأس، بيد أن الفأس بالأثر المعنوي، أي بمعنى أدق مطرقة الضمير حينما تمارس دورها في الطرق فإنها السبيل لإيقاف هذا النزيف الأخلاقي وإصلاح ما أوشك أن يفسده الكم الوافر من اللامبالاة في ظل غياب الشعور النبيل ويقظة الضمير التي لا تحتاج إلى منبه، بقدر ما تسوق القيم المتأصلة العنفوان المستعصي على الارتهان لمكاسب لن تعدو عن كونها ذلاً يهين صاحبه في كل حين، في الوقت الذي ينسج فيه السمو خيوطاً مطرزة بالعز والكرامة. ويظل التطرق إلى تفعيل دور القيم المؤثرة والتذكير عبر وسائل الإعلام المختلفة، محور ارتكاز التصحيح والإصلاح، فبالإضافة إلى تشديد العقوبة يبيت الإصلاح في العمق أساساً لبناء قاعدة صلبة متماسكة، فلتتضافر الجهود الخيرة للسعي في هذا الأمر المبارك على جميع الأصعدة لأن الذكرى تنفع المؤمنين.