17 سبتمبر 2025

تسجيل

الإيمان بالله وكتبه ورسله.. مما قصّ علينا ومما لم يقصص

03 أغسطس 2023

كتاب يُبحر بقارئه في رحلة روحانية متعمقة نحو أديان العالم الكبرى، ليكشف عن روح كل دين وجوهر الحكمة وراء تعاليمه، في لغة تخالف التقليد العلمي السائد القائم في الأساس على عرض كل دين في قالب أكاديمي صرف، بكتبه المقدسة ومعلميه ومعتنقيه ومذاهبه وتعاليمه الرئيسية ومدى انتشاره!. لا تأتي هذه اللغة المختلفة عن هوى، إنما هي عصارة ممارسات إيمانية لتعاليم تلك الأديان، انهمك فيها المؤلف نحو خمسين عاماً فوق أراضي معتنقيها، وأخلص لها إخلاص المؤمن الحق! بهذا النهج المتفرد، لا يعرض المؤلف شيئا من آرائه كباحث أو انطباعاته كمعتنق، بل جاء عرضه حيادياً، وهو لا يعمد إلى التجريح مهما حمل أي دين من معتقدات أو ممارسات غير مألوفة قد تدعو لذلك، بل عمد في بعض الأحيان للتصدي ضد ما يحوم حولها من شبهات وتصحيحها منطقياً وفلسفياً. إنه الناسك الروحي البروفيسور د. هوستن سميث (1919-2016)، وُلد ونشأ في الصين لأبوين أمريكيين مسيحيين يعملان في التبشير، حيث تفتحت مداركه الصغيرة على تنوع الأديان وفلسفاتها، ما دعاه لدراسة الفلسفة بعد عودته لوطنه حتى حصوله على درجة الدكتوراه ومن ثم الانخراط في سلك التدريس. استمر في اعتناق المسيحية رغم إعجابه الشديد بالحكمة الشرقية، وقد تتلمذ على أيدي رهبان الهندوسية، ومارس الزن من خلال معلمي البوذية، وصرح في إحدى المقابلات بأنه يديم الصلاة خمس مرات يومياً باللغة العربية منذ ستة وعشرين عاماً. عمل على إنتاج سلسلة من الوثائقيات خلال ستينيات القرن الماضي، وله العديد من المؤلفات في نفس المجال، أشهرها الكتاب الذي بين أيدينا والذي لا يزال يصنف عالمياً بالمرجع العلمي الأول في الأديان، وقد وصلت مبيعاته إلى المليون ونصف المليون نسخة كما تشير هذه الطبعة. تعتمد هذه المراجعة على الطبعة الثالثة لكتاب «أديان العالم» الصادرة عام 2007 عن (دار الجسور الثقافية)، والتي عني بها المترجم د. سعد رستم، وهو أكاديمي وباحث سوري حاصل على درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية بعد تحوله إليها من كلية الطب. يعرض فهرس الكتاب عشرة مواضيع رئيسية، يبدو أهمها على الإطلاق: (الهندوسية، البوذية، الكونفوشية، الطاوية، اليهودية، المسيحية، الإسلام، الأديان البدائية) والتي أبث من عبق روحانياتها نفحات، وبشيء من الاقتباس بما يخدم النص (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) فيما يلي: يحفل الأدب الهندي بالاستعارات والتشبيهات والصور البيانية التي توجه أنظار الإنسان نحو «الوجود المطلق اللانهائي» في الكون الفسيح، والكامن عميقاً بين ثنايا وجدانه. على هذا، ينتقد د. سميث ربط التماثيل الهندوسية بمعاني الوثنية أو الشرك أو تعدد الآلهة، فإنما هي كما يعتقد مسارات تتنقل خلالها الحواس البشرية نحو «الأحد» أو «تطير من الأحد نحو الأحد». أما في الطاوية، فتتوالد أبعاد الوحدانية الإلهية من خلال ترانيم الطاوي وهو يقول: «هناك كائن رائع وكامل.. وُجد قبل السماء والأرض»، والذي تنساب وصيته عذبة تحلق بعيداً عن ميدان رياضة اليوغا وتتقاطع مع العشق الرومي في لغة صوفية، قائلاً: «كل ما يجب علينا فعله في هذه اليوغا أن نحب الله حباً جما، لا مجرد أن نقول بلساننا أننا نحب الله، بل نحبه حقاً، ونحبه وحده، ولا نحب شيئاً غيره إلا لأجله، ونحبه لذاته لا لغرض آخر أو هدف أبعد، حتى ولا انطلاقاً من الرغبة بالخلاص والتحرر، بل نحبه للحب فقط». تتجلى معاني الصيام الإسلامي في الانضباط الذاتي وكبح الشهوات، وفي تذكير الإنسان بضعفه وحاجته الدائمة إلى الله، كما يولد لديه الشعور بالشفقة والإحساس بالآخرين، إذ لا يشعر بالجوع إلا من جاع فقط، ومن راض نفسه على الصيام تسعة وعشرين يوماً يكون أكثر تسامحاً وتفاعلاً مع من يقصده من الجائعين. وفي استنباط لافت للنظر، يشير د. سميث إلى كلمة (القراءة) كمعنى مشتق لكلمة (القرآن)، وبأنه الكتاب الأكثر تلاوة وحفظاً وتأثيراً على مستوى العالم. فلا عجب أن يكون (معجزاً) كما سماه نبيه وأتباعه من بعده! وفي الحديث عن اللغة العربية، يقول د. سميث مقتبساً عن أحد المفكرين: «لا يوجد شعب في العالم تحركه الكلمات، سواء المقولة شفهياً أو المكتوبة، كالعرب! من النادر أن يكون لأي لغة في العالم تلك القدرة على التأثير على عقول مستخدميها كالتأثير الذي لا يقاوم للغة العربية». ثم يُعقب بدوره قائلاً: «يمكن للجماهير في القاهرة أو دمشق أو بغداد أن تُلهب مشاعرها وتثار إلى أعلى درجات الإثارة العاطفية ببيانات، إذا ما تمت ترجمتها تبدو عادية». وفي الختام.. عجباً كيف تختلف الأديان برمتها لتنتهي بعبادة الله وحده ونيل السكينة الروحية كمطمح أزلي! إنه ليس كتابا ترويجيا ولا تبشيريا ولا مقارنا ولا نقديا، بل روحاني بالدرجة الأولى، يقدم للقارئ خلاصة ما اكتسبه مؤلفه من معرفة وجدانية وتجارب روحية تجود عليه بأنوار من فكر وحكمة وتصور جديد للحياة بما يحيطها من مصاعب وطرق مواجهتها من زوايا دينية أكثر اتساعاً. لتصب جميعها انتهاءً في فضاء الحقيقة المطلقة: (الله أحد).