19 سبتمبر 2025
تسجيليعتمد النظام المعرفي في تشكله في دول الخليج العربي قاطبة، كما أشرت، على دور المجتمع في الإسهام في اللحظة التاريخية التي تتشكل فيها البنية السلطوية، في كل مرحلة من مراحل المجتمع، أو هو المسافة بين المجتمع وبئر النفط المتفجر في أرضه، وهل يقطعها بشكل يحفظ له إرادته، أو يتغلب الوعي الفطري على النظرة المستقبلية التي تضع شروطها في حينه، بما يخدم المجتمع مستقبلا، في ظل تغير الظروف والأحوال . فأكثر نظام معرفي قائم اليوم ومعبر إلى حد ما عن إرادة المجتمع، هو النظام المعرفي في دولة الكويت، نظرا لتواجد المجتمع عند صياغة بنية السلطة في حينه، وبوعي وإدراك من الأمير السابق الشيخ عبد الله السالم رحمه الله. أما الأنظمة المعرفية في دول الخليج الأخرى، فهناك درجة من الاختلاف، نظرا لطبيعة كل مجتمع وتفاعله الإيجابي مع اللحظات المصيرية في تاريخه، واستمرار هذا التفاعل وعدم انقطاعه، ووجود الريع وقدرته على تغطية التباين. فبينما يبدو النظام المعرفي في المجتمع القطري متماثلا مع طبيعة السلطة أو هو بالأحرى نتيجة لها، حيث لم يكن المجتمع متواجدا أو حاضرا بفاعلية عند بزوغ اللحظة أو اللحظات التاريخية التي أعيد فيها تأسيس العلاقة بين الاقتصاد «الريع» والسلطة، الأمر الذي جعل خطابهما واحدا، يظهر النظام المعرفي البحريني تباينا واضحا وربما نوعا من التصادم مع السلطة، التي تنتج وعيها وخطابها بعيدا عنه، واستنادا على وعي الطائفة التي تختلف عنه طائفيا، فهو وعي تاريخي لا يستند على الريع بقدر ما يستند على التاريخ والطائفة . أما النظام المعرفي السعودي الرسمي، فهو في حالة استنفار دائم، لأسباب كثيرة، منها اتساع رقعة البلاد، واختلافها العرقي والطائفي، وسوء الإدارة ومركزيتها، وكبر حجم وامتيازات العائلة الملكية، وتركز السلطة في الجيل الأول الذي بدأ في الانقراض. فهناك أكثر من بنية معرفية تنتج خطابها داخل المملكة، على الرغم من وقوع الريع داخل خطاب السلطة. أما النظام المعرفي الإماراتي، فقريب من النظام المعرفي القطري من جهة التماثل، إلا أنه أقل تماثلا من ذلك، نظرا لوجود أكثر من رؤية، لأن الدولة المكونة من عدة إمارات أوجد نوعا من الاختلاف والتباين، يفيض عليها الريع أحيانا وأحيانا أخرى تنفر منه إلى الأيديولوجيا . منذ منتصف التسعينيات، وقبل ذلك، لا أعتقد أن هناك نظاما معرفيا واضحا ينتجه المجتمع ولا غيره من مجتمعات الخليج، فقد أصبحت التكنولوجيا، أو التقنية بصفة عامة، هي النظام المعرفي السائد في العالم. وحيث إن مجتمعات المنطقة ركزت على الجانب التقني بدلاً أو أكثر من الجانب البشري، فنرى تقدماً في استيراد منتجات التكنولوجيا بأنواعها، وتأخراً في مجال الحريات العامة وتمثيل الشعوب. وتستجيب في المقابل بسهولة لإكراهات الخارج، نتيجة خلو الداخل من ما يمثل الإرادة وميكانيزم المقاومة. هناك فقط وعي معرفي للسلطة تدير به المجتمع بشكل مباشر، وعلى الرغم من أن المسافة بين المجتمع وبين الريع سابقا، كانت مقدرة اجتماعيا دون وسيلة ضغط، أيا كانت، وتحمل نوعا من الأبعاد التاريخية . يتبع [email protected]