هل هناك سوق سوداء في قطر؟

في البداية دعونا نتعرف على معنى مصطلح السوق السوداء بشكل عام، وأثناء بحثي في المراجع والأدبيات المنشورة على الشبكة العنكبوتية لم أجد تعريفاً واحداً متفقاً عليه لمفهوم السوق السوداء، بل إن حتى معاجم اللغة الإنجليزية تختلف تعاريفها من معجم لآخر، ولعل أفضل تعريف أكاديمي للسوق السوداء وجدته بحيث جمع مفهوم هذه التعاريف (والمقصود بأكاديمي أي أنه يستند إلى دراسة علمية) هو ما جاء في دراسة فقهية مقارنة بالقانون الوضعي للدكتور علي أحمد سالم أستاذ الفقه المساعد بكلية الشريعة وأصول الدين بجامعة نجران بعنوان "أحكام السوق السوداء"، والذي عرفها بأنها "هي سوق تتواجد إلى جانب السوق الرسمية النظامية، تتم فيها عمليات التبادل التجاري من بيع وشراء، وأشار الباحث إلى أن من هذا التعريف يتضح أن السوق السوداء هي سوق موازية للسوق النظامية إلا أنها تعمل في الخفاء، وبعيداً عن رقابة القانون. ويظهر من هذه التعاريف أيضاً أن مجالات السوق السوداء: السلع الغذائية والملابس والبترول، وجميع السلع المؤثرة على حاجيات الناس بعيداً عن رقابة السلطات المالية الحكومية المختصة، وتتسبب في إحداث فوضى اقتصادية، وعواقب مالية". ومن تعريف الباحث يتضح أن هذه السوق تعمل بالتوازي مع السوق المحلية الرسمية في الدول، وأما بالنسبة إلى أنها تعمل بالخفاء وبعيداً عن رقابة القانون، فباعتقادي أن هذا هو سبب قوة هذه النوعية من الأسواق، وهي قدرتها على العمل بعيداً عن أيدي السلطة، ومن ناحية أخرى ليس من الضرورة أن يكون معنى أنها غير قانونية أنها تتعامل في التعاملات غير المشروعة فقط، (وإن كان التعريف فيه إشارة إلى ذلك، كما أن هناك تعاريف أخرى تُضمن هذه النوعية من التجارة غير المشروعة في تعريف السوق السوداء)، وكذلك فإن عدم وجود رقابة مباشرة عليها قد يعني إما لقانونية تعاملاتها بمعنى أنها تتعامل في السلع والبضائع الموجودة أصلاً في البلد، أو أن المتعاملين فيها يعلمون جيدا كيف يقومون بإجراء معاملات البيع والشراء بشكل شبه قانوني أي فيه تحايل على القانون. ولإيضاح ما سبق أعطي بعض الأمثلة، فمثلاً صاحب وكالة حصرية لعلامة تجارية ما للسيارات، هو يقوم ببيع السيارة في معرض الوكالة الرسمي بسعر معين ولنقل بمائتي ألف ريال مثلاً، وفي المقابل هو يعرف حق المعرفة أن هناك طلباً كبيراً على هذه النوعية من السيارات والمعروض منها قليل، فهذا سيؤدي حتماً إلى ارتفاع سعرها في السوق المحلية خارج قاعة عرض الوكالة، وبما أنه وكيل حصري لهذه النوعية من السيارات ويقع تحت رقابة الهيئات التجارية والاقتصادية في الدولة، فهو يقوم بعملية قانونية مائة بالمائة تضمن له زيادة المكسب مرتين، فهو يقوم بتسجيل مجموعة من السيارات من كل دفعة تصله بأسماء من يثق فيهم أو يعطيهم الأولية لشراء هذه السيارات، ثم يقومون هم بدورهم ببيع السيارات في السوق المحلية، إما من خلال معارضهم أو من خلال علاقاتهم الشخصية وبأسعار تفوق السعر الأصلي بشكل جشع، وذلك مقابل نسبة معينة لهم، فيحقق وكيل السيارات هذا ربحاً مضاعفاً من خلال ربحه في سعر السيارة الأصلي وربحه من البيع عن طريق الوسيط، وبذلك تبدأ السوق السوداء بالتشكل والتكوين نتيجة جشع هذا التاجر. ومثال آخر في مجال العقارات، حيث تقوم شركات أو ومجموعة وسطاء عقاريين بعمل عمليات بيع وشراء فيما بينهم لنوعية معينة من العقارات التجارية أو السكنية أو الصناعية حتى ترفع من قيمة هذه العقارات في هذه المنطقة خلال مدة قصير، مما يتسبب بارتفاع أسعارها إلى مستويات تفوق أسعارها الأصلية أو أسعارها الطبيعية، فينتج عن هذه العملية القانونية من الناحية النظامية اختلال في أسعار هذه العقارات على المدى الطويل، وزيادة في الإيجارات ومعاناة للمستأجرين وتضارب في أسعار العقارات في هذه المنطقة. ومثال أخير هناك من وكلاء بعض السلع الفاخرة كالساعات مثلاً، يقومون بتعمد احتكار هذه النوعية من المنتجات حتى يكثر عليها الطلب فيقوم ببيعها خارج إطار الوكالة بما يمكن تسميته بالسوق السوداء حتى يكون الربح المادي أكبر. وختاما أقول: أنا لست عالماً اقتصادياً ولا محللاً مالياً، وما عرضته لكم هو تبسيط لمفهوم السوق السوداء حول العالم، والآن وبعد هذا السرد المختصر لهذه النوعية من التعاملات، ما رأيك عزيزي القارئ هل ترى أن هناك سوقاً سوداء في قطر؟.