17 سبتمبر 2025
تسجيلأصدر اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات بيانًا دعا فيه إلى "وجوب عدم التعامل مع أي جهة قطرية أفرادًا ومؤسسات، داخل الدولة أو خارجها، ومنع إجراء أي لقاء أو إقامة أي نوع من أنواع التواصل أو المشاركة في أي فعالية قطرية أو تابعة لقطر أو مملوكة من قطر"؟! وأضاف الأخ حبيب الصايغ رئيس مجلس إدارة اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات "عندما يتعلق الأمر بسلامة الوطن وأمنه واستقراره، فإن الحسم يصبح ضروريًا، إذ لا مجال للتردد والتلكؤ، فلا بد من سدِّ جميع الثغرات التي يُحتمل أن تُستغل للعبث بسلامة الوطن ومصيره"؟! واختتم الأخ حبيب تصريحه بالقول: "لدينا أمل كبير في أن يكون للمثقف القطري الحر موقف من هذا الأمر، بأن يقول كلمته، بما يمليه عليه موقعه، وبما تفرضه عليه مسؤوليته الأخلاقية، وبما يجسّد تاريخ قطر، ويعكس أخلاقيات شعب قطر الشقيق وأصالته ونبله".بداية، لا بد من الإشارة إلى أن الأخ حبيب الصايغ هو أيضًا الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكُتاب العرب؛ فهل تصريحه المذكور يأتي من كونه يحمل هذا المنصب؟ وعليه، هل يُمثل تصريحهُ كلَّ الأدباء والكُتاب العرب؟ وهذه قضية قانونية لا بد وأن تُجيب عليها الجمعيةُ العمومية للاتحاد العام للأدباء والكُتاب العرب؟!ثانيًا- لا نعرف ما هو الهدف من إصدار بيان بهذه الصورة، فيه من الاتهامات والتحريض ضد الأدباء والكتاب القطريين، ونحن في أتون أزمة في المنطقة، يجب أن تتضافر الجهود لحلها وتجنيب المنطقة بأسرها نتائجها السلبية التي لا نريدها لأي فرد من أفراد المجتمع الخليجي؟! كما أن دور المثقف العربي، الذي لا يؤمن بحدود الثقافة وجنسيتها وجغرافيتها، وبالحزازات بين الشعوب العربية، أن يحاول التقريب والتوحيد، واقتراح الأرضية الصالحة للتعايش السلمي المبني على احترام الآخر، ضمن الإطار الإنساني السامي، الذي يُوفر الأمن والطمأنينة للجميع. وما يجمع أهل الإمارات بقطر أكثر مما يُفرق. كما أن الكيانات الثقافية الأهلية يجب أن تنأى بنفسها عن خلط الأوراق، كما يجري في عالم السياسية! وأن يكون دورُها إيجابيًا في أي خطل أو أزمة تحدث بين دولتين شقيقتين، فما بالكم بالأزمة الحالية بين دولة قطر وشقيقاتها (المملكة العربية السعودية، دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين)؟! هذه الدول التي تجمعها أواصرُ قربى ودم وتصاهر وتاريخ وتراث وهوية، ناهيك عن واقع الجغرافيا والمصالح الاقتصادية. بل إن ما يجمعها هو مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والذي ظل طويلًا الحصنَ الواقي من أي أطماع أو تهديدات لأية دولة عضو فيه! وأتساءل هنا: لو كان الملك فهد بن عبدالعزيز والشيخ زايد بن سلطان والشيخ عيسى بن سلمان حاضرين اليوم، هل سمحوا بهذا التصدع في كيان مجلس التعاون؟ أقول: هل هدفَ البيانُ إلى مسح تاريخ قطر الأدبي والثقافي من ذاكرة أبناء الخليج، وسلخ ذاكرة القطريين عن الأدب والثقافة في دول مجلس التعاون؟ وهذا أمر لا يمكن أن يحصل، لأن الذاكرة الثقافية والأدبية والتاريخية متجذرة في الوجدان الخليجي، كما أنها متضمنة في اتفاقيات مُوقَّعةٍ بين الدول الأعضاء في المجلس.ثالثًا- يحدث كثيرًا أن تختلف الحكومات في الأمور السياسية أو الاقتصادية، وحدث ذلك كثيرًا فيما بين دول مجلس التعاون، لكن تلك الاختلافات لا تمسّ الشعوب، وهذا من حتمية التاريخ! فعندما تم تجميد عضوية مصر في الجامعة العربية، إثر زيارة الرئيس السادات للقدس، لم تفرض دول الخليج حظرًا على زيارة مصر، أو على المصنفات الفنية المصرية، ولم تأمر شعوبها بعدم سماع أم كلثوم أو قراءة كتب يوسف السباعي أو محمد حسنين هيكل، أو بعدم الإنصات إلى الشيخ عبدالباسط عبدالصمد! بل إنها لم تبدل مناهج التعليم التي اعتمدت المنهجَ المصري! كما لم يصدر بيان من أي اتحاد أو جمعية خليجية بمنع تداول الكتب المصرية، ولم تحظر المحطات التلفزيونية الخليجية أصوات المقرئين المصريين في بثها، بل ولا أغاني عبدالحليم حافظ أو الأفلام المصرية!لذلك، فإنه من المحزن أن تنطلق هذه الدعوة "الشاذة" من شاعر وأديب نُقدِّر إنتاجه الثقافي، حتى وإن اختلفت بلادهُ مع شقيقتها دولة قطر، بل كان من المفيد جدًا أن يكون البيانُ دعوةَ الاتحادات المحلية والجمعيات الخليجية إلى التكاتف نحو توحيد الجهود ومساندة مساعي رأب الصدع، والتحلي بالحكمة وتقديم الكلمة الطيبة. وهذا من نُبل الأدب والأدباء، لا أن نصُبَّ الزيتَ على النار، ونؤججَ القطيعة بين الشعبين الشقيقين، كما يفعل بعض "الغوغاء" في وسائل التواصل الاجتماعي!رابعًا- ماذا سيكون عليه الحال لو تم حلّ الأزمة الراهنة، ونجحت جهود الوساطة وتم الاتفاق على صيغة تُرضي كل الأطراف؟ هل سيُصدر اتحاد أدباء وكُتاب الإمارات بيانًا جديدًا يدعو إلى التعاون مع الأدباء والكُتاب في دولة قطر؟ ماذا سيكون عليه رأي الأدباء والكُتاب الإماراتيين، الذين نكن لهم كل محبة وتقدير؟نحن نعتقد أن توقيت نشر البيان لم يكن ملائمًا، وموضوعه لا يصبُّ في مصلحة الشعبين الإماراتي والقطري، حتى وإن اختلفت الرؤى السياسية بين البلدين الشقيقين.خامسًا- إن دور الأديب والمثقف دومًا مع قيم التسامح والعدل والخير والجمال، كما أننا نكنُ للأدباء والكُتاب في دولة الإمارات العربية المتحدة كل احترام وتقدير، ونقرأُ لهم، ونعتزُ بإنتاجهم الأدبي والفني، وتربطنا صداقات بكثر منهم؛ لكن البيان المذكور جاء كسيف بتار، ليقطع تلك العلاقة من الوريد إلى الوريد، ونحن مازلنا نستشهد في أطروحاتنا عن أدب الإمارات براوية الشاهندة لراشد عبدالله، والشيخ الأبيض، والأمير الثائر، وصراع القوى في الخليج وحديث الذاكرة للشيخ سلطان بن محمد القاسمي! كما لا يجوز منعنا من قراءة قصائد المغفور له بإذن الله (حكيم العرب) الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أو قصائد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، أو قصائد الدكتور مانع بن سعيد العتيبة، أو قصائد سيف السعدي، أو قصائد مبارك الناخي، أو قصائد حمد بوشهاب، أو قصائد علي الخوار. كما أننا لا يجوز حرماننا من سماع مطربي الإمارات مثل حسين الجمسي وميحد حمد أو فايز السعيد، تمامًا كما لا يجوز حرماننا من مشاهدة الأعمال الدرامية للفنان أحمد الجسمي، وجابر نغموش، ومريم أحمد ورزيقة الطارش. كما أنه لا يجوز حرمان الإنسان الإماراتي من تلقي إبداعات القطريين في كافة المجالات. إن الأدب غذاءُ الشعوب، ولا يجوز أن تتدخل فيه "الفرمانات" الرسمية، وتُحيله إلى موادَّ محظورة كالحشيش والأفيون!! كما أن الأدب يتداخلُ مع التاريخ، فتحفظه القلوب، وتتداوله الأجيال، ولا يجوز أن يتدخل أحدٌ لحظر هذا الأدب أو الفن بسبب حادثة سياسية أو اختلاف بين دولتين قد يًصار إلى حلّه في الأيام القادمة. ثم ماذا سيُسجل التاريخ للأجيال القادمة عندما يقرؤون عن عام 2017، وما حدث على المستوى الأدبي والثقافي في الخليج؟ هل سيكون البيان المذكورة حالة "مُشرفة" تبتهجُ بها تلك الأجيال؟سادسًا- تؤمنُ كلُ أدبيات السياسية بسياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد، ولقد تم اتهام دولة قطر بالتدخل في شؤون بعض الدول الخليجية، ولقد فنّد السياسيون القطريون تلك الاتهامات، ولكن ماذا تعني الفقرة الأخيرة من تصريح الأخ حبيب الصايغ:"لدينا أمل كبير في أن يكون للمثقف القطري الحر موقف هو الآخر، بأن يقول كلمته بما يمليه عليه موقعه، وبما تفرضه عليه مسؤوليته الأخلاقية"! أليس هذا شكلا من أشكال التدخل في الشأن الداخلي لقطر؟ حيث لا تجوز تلك الدعوة ولا تتموضع إلا في خانة التحريض وشق الصف والتشكيك! وهذا ما لا يمكن أن يصدر من مؤسسة أو جمعية أو هيئة ثقافية في قطر. ونحن في قطر لا يمكن أن ندعو بتلك الدعوة إخواننا الأدباء والكُتاب في دولة الإمارات العربية المتحدة.أرجو – بكل مودة وحب – أن يترفع الأدباء والكُتاب والفنانون عن الانزلاق والدخول في ضجيج إعلامي ما يُمكن أن يشوه الوجه الحضاري للأدب والثقافة والفن، وأن يتركوا الأمر لأهل السياسة، دون إثارة النعرات والعداوات بين شعوب المنطقة، كما أن الوطنية والتغني بها لا يمكن أن تتجاهل حقائق التاريخ، لأن الأوضاع تتبدل، لكن الشعوب تبقى! كما لا يجوز تشويه ضمائر هذه الشعوب بمثل هذه الدعوات.وهدانا الله سواء السبيل.