13 سبتمبر 2025

تسجيل

كيف نواجه الفوضى الخلاقة – الهلاكة؟

03 يوليو 2015

بدأت عملية التغيير في موجة الربيع العربي الأولى، وفق نظرية وآليات التغيير السلمي-اللا عنفي، فكانت المظاهرات الشعبية السلمية الحاشدة، أداة الإطاحة بالذين سطوا على حكم الدول لسنوات جعلت أجيالا من المجتمعات لا تعرف، إلا نفس الحاكم ونفس الزمرة حتى صار الحكم.. حكما "مؤبدا"، بل يزيد، إذ أمضى بعض الحكام زمن "حكمين مؤبدين" واقترب بعضهم من الثالثة أيضا. بدا التغيير سلميا لكنه انقلب إلى أسوأ أعمال العنف، وإذ أفلتت تونس، وقاومت اليمن، فقد وقعت سوريا والعراق وليبيا في فوهة العنف، وجاءت الثورات المضادة لتشيع مناخ العنف شاملا في كل دول الربيع. وبدأت قصة التغيير، بسعي نحو إقرار الديمقراطية أساسا في تشكيل السلطة السياسية – بعد إطاحة رموز الحكم الديكتاتوري - فانقلب الحال إلى أسوأ درجات الديكتاتورية. وبدأت قصة التغيير بهامش من الحرية الإعلامية، سرعان ما توسع وتعمق بعد نجاح الإطاحة بقمم الحكم الديكتاتوري، لكن الأمر عاد إلى ما هو أسوأ مما كان قائما قبل ثورات الربيع.انتهى الحال في معظم بلدان الربيع، إلى الاحتراب والتقسيم الطائفي والجهوي والإثني والعرقي، وإلى تقاتل حتى على أساس الاختلاف الفكري أو السياسي.نجحت أطراف داخلية وإقليمية ودولية في إحلال آليات الفوضى الخلاقة من احتراب المجتمعات وأعمال الفوضى الميليشياوية والاقتتال بين الشعوب والجيوش بعد الانقلابات العسكرية على سلطات ما بعد نجاح الثورات، محل آليات التغيير السلمي عبر المظاهرات وآليات صناديق الانتخابات. صارت آليات الفوضى الهلاكة هي المتحكمة في المشهد والمسيطرة على حركة التغيير في المجتمعات، فظهرت أطراف لم تكن مؤمنة لا بالتغيير السلمي ولا بالديمقراطية، ولا ترى إلا القتل والقتال والميليشياوية سبيلا للتغيير، وربما كان بعضها صاحب أهداف تتعلق بتعميق آليات الفوضى والعنف، وفق مشروعات طائفية أو فوضوية أو ذات ارتباطات خارجية. وهي أوضاع وأحداث جرت جميعها تحت غطاء طاغ من إعلام تحول إلى منابر للحرب الفكرية والسياسية والنفسية والطائفية، فتح الباب لوصول الاختلافات إلى الثوابت والأصول.فكيف يمكن مواجهة آليات الفوضى الهلاكة تلك؟لقد كان الأخطر في تلك الثورات أنها لم تكن واعية بنفسها، كما لم تكن قياداتها واعية أو مدركة للمخاطر المعدة والمجهزة لها، وفق سيناريوهات معدة سلفا. كان هناك من يقف جاهزا محددا أهدافه، فقام بالانقضاض على تلك الثورات، فيما لم يكن للثوار خطط مدروسة لخطوات الثورة وأهدافها ما بعد إسقاط رموز الحكم الديكتاتوري. لقد بدى الثوار بلا خبرة ولا رؤية. وذلك ما أسقط الثوار في كل الأفخاخ المنصوبة لهم. عدم وعي النخب الثورية –الحقيقية-وعدم امتلاك أية خطة مدروسة لحالة الثورة ومقتضياتها،هو ما فتح الباب لأعمال الفوضى الخلاقة أو الهلاكة.الآن ما العمل؟يبدو من الضروري الآن، أن تعمل الحركات الثورية باتجاهات مضادة كليا لآليات الفوضى الهلاكة.عليها أن تكون أداة التوحيد والحشد الوطني في المجتمعات لا أداة التفريق والانقسام الطائفي والسياسي، مهما كانت الاختلافات والصراعات وآلامها.عليها أن تعتمد إستراتيجية توسيع الفاعلين لأجل الديمقراطية أيا كانت اتجاهاتهم وجعل الفكرة والهدف والشعار هو الديمقراطية للجميع. وعليها أن تتحول هي إلى القائد والمجمع لكل القوى دون استبعاد في البناء الجديد –ووفق أية تنازلات-وأن تتبنى خطابا إعلاميا وطنيا عاما. وأن تعتمد خطة سياسية وإعلامية تركز على عزل كل الشخصيات والأفعال الدافعة للعنف والتفكيك الطائفي أو الوطني. وعليها أن تحتشد تحت لواء السلمية وإدانة العنف بدقة وقوة وحسم، أيا كان مصدره، لإعادة بناء حالة إجماع وطني محورها رفض العنف والاقتتال والديكتاتورية، حتى وهي تقاتل، إذ الفارق كبير بين القتال حتى النهاية – أو داخل دوامة القتال الفوضوي-والقتال لتحقيق أهداف سياسية محددة.وإذ يبدو للبعض استحالة الأمر، فعلى الجميع أن يقرأ سيرة كل الثورات والصراعات والحروب الأهلية، فجميعها لم ينته إلا عبر بناء حالة إجماع تتوسع شيئا فشيئا لتعزل الطغاة والقتلة، وهؤلاء الذين لا يعيشون إلا على هامش حالات الفوضى والاقتتال.