14 سبتمبر 2025

تسجيل

شهوات الشح

03 يوليو 2015

في الدنيا صنف من الناس لا يعرف إلا هات، إنه يركض في فجاج الأرض ليأخذ لا ليعطي، وإذا أخذ هاجت غرائزه إلى المزيد كشارب ماء البحر لا يزداد إلا ظمأ، وإلى أن يضم طريفاً إلى تليد وقديماً إلى جديد فهو يأكل ولا يشبع إثرته وحبه لنفسه تجعله بليد الإحساس بحاجات الآخرين فليس يبالي أن يجتاح ضرورات الآخرين ويبني على أنقاضهم مجده، فهو لا يتصدق لأن الصدقة عطاء وهو لم يوق شح نفسه- لأنه ليس من المفلحين- وفي تجارته وفي فضول ماله يطلب الربح العاجل والأجدر، ولا يبالي بآلام الناس لأن نفسه مشغولة بآمالها الخاصة.وظاهر أن الفكر اليهودي الذي عبد العجل الذي صنعوه من ذهب أقباط مصر من وراء هذه السيرة الوضيعة والذي ينظر في سير أكثر ساسة الغرب، ومن شايعهم من ساسة أولاد يعرب فقدوا كل حصانة دينية أو رحمة إنسانية لمقاومة سياسة "أكل أموال الناس بالباطل"..إن الكثير من دول العالم الثالث والأغلبية من المسلمين يترنحون تحت وطأة ديون تقصم الظهور لأن التطبيق الهابط الزائغ لدي أنظمة هذه الدول في توزيع الثروة وإدارتها أوصل الناس إلى ما وصلوا إليه، وإلا بما معنى أن يكون زعيماً عربياً يمتلك سبعين مليار مخزونة مصونة وأكثر من أربعين بالمائة من أهل دولته أو رعيته يعيشون دون مستوى خط الفقر وزعماء آخرون مثله وشعوب أخرى مثل ذلك الشعب فأين والإمام راعٍ وهو مسئول عن رعيته وأني لأظن أن مسئوليته التي فهمها هي دخول الجميع إلى النار (فأوردهم النار فبئس الورد المورود) وإلا أما ترى تلك الشعوب ما يفعل بهم ذلك الإنسان الجشع فلو أنهم أخذوا على يده لما تداركوا جميعاً في النار. عندما تعرض المذاهب العلمانية برامجها السياسية والاقتصادية تستطيع أن تحسن التفاهم مع الناس وطبيعتهم البشرية وتحسن التحايل على عقول البسطاء والأذكياء وتقدم الزعيم والحاكم والحكومة بريئين من نزوات الاستعلاء، بعيداً عن شهوات الشح والأثرة والظلم والتظالم البغيض.ويجيء متطوعون يحبون الزلفى ويقرعون الطبول للزعيم فيحشدون جملة من الآثار الصحيحة والواهية المعتلة يتبعونها بشرح معتل ثم يخرجون بقاعدة مفادها.الفقير الصابر خير وأفضل من الغني الشاكر، وأغفلوا النص القرآني الذي لا مراء فيه وهو الثناء على الاثنين كل حسب مقامه.فقال عن سليمان النبي الملك الشاكر (نعم العبد إنه أواب) وقال عن أيوب النبي الصابر (نعم العبد إنه أواب)، ولو أنهم قالوها تسلية لمصاب أو تهويناً لجماعة من الناس منكوبة لأصبح الأمر هيناً ولكنهم أطلقوها كلمة عامة كحكم شرعي حتى كذبوا على الله ورسوله وجعلوا عبدالرحمن ابن عوف رضي الله عنه وهو من العشرة المبشرين بالجنة ومن السابقين إلى الإسلام: أنه يدخل الجنة زحفاً أو بعد عناء مضنٍ لأن الأموال طعنت في تقواهم.فكيف تقوم أمة وفي مثل هؤلاء السراق وقطاع الطريق من الزعماء وكيف تقوم أمة وفيها من يزينون لها وجه الشر القبيح فيجعلون القتلة يدخلون الجنة بغير حساب والذين (يبتغون فضلاً من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله) يدخلون الجنة زحفاً لشدة وطئة أموالهم على ظهورهم، فأين ذهب الذين يكتنزون الذهب والفضلة ولا ينفقونها في سبيل الله، أيحسب أن هؤلاء عندهم حصانة. زعيم يسرق 50 مليار دولار وآخر يسرق 70 مليار دولار وثالث يسرق 65 مليار من أقوات الذين ينامون على الأرض ويلتحفون السماء ثم يأتي من يقول: إن هؤلاء عباد الله الصالحون، ترى فما يكون نصيب فقراء الشعوب من رحمة الله بعد أن فاز بها هؤلاء قطاع الطريق وأكله أقوات الفقراء؟ إن الإسلام حين يكره الجشع والبغي لا يوصف بأنه يمحق العمل والسعي والغنى وجمع المال إن الله لم يكره قارون أن كان صاحب مال وثروة تعجز العادين، ولا يكره القوة في بدن صحة القوة (وإن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء) وإنما كره من قارون هذا الثراء الوافر ثم إنه إذا قيل له أنفق (وأحسن كما أحسن الله إليك) قال: إن ذلك الغنى ثمرة جهدي وذكائي وعرق جبيني فليس لأحد فيه حق من قبلي (إنما أوتيته على علم عندي)، هذا الذي يحمى عليه ماله فتكوى بها جبهته وجنبه بل ويستعر عليه ناراً هذا هو الغنى المطغي الذي استعاذ منه نبي الرحمة (اللهم إني أعوذ بك من غنى مطغ وفقر منسٍ).انظر إلى النبي الملك الشاكر سليمان عليه السلام لما شهد سعة الملك والثروة اللتين تفرد بهما قال: (هذا من فضل ربي ليبلوني ءأشكر أم أكفر...).وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين