15 سبتمبر 2025

تسجيل

ليدبّروا آياته

03 يوليو 2014

أنزل الله تعالى كتابه لتدبّر آياته وتفهم معانيه والنظر في مآلات الامور والعمل به، لا لمجرد القراءة بتحريك اللسان والقلب ساهٍ والذهن شارد.قال الحسن البصري: والله ماتدبّره بحفظ حروفه وإضاعة حدوده.. حتى ان أحدهم ليقول قرأت القرآن كله ما يرى له القرآن في خلق ولاعمل، ولذا كان يقول بعضهم: كل آية لا أفهمها ولا يكون قلبي فيها لا أعدّ لها ثوابا.. وهذا الكلام صحيح لأن القرآن أكد على التدبر فقال تعالى: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبّروا اياته وليتذكر أولو الالباب) سورة ص 29، وقال تعالى (افلا يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها) سورة محمد24، إذ لا خير في قراءة ليس فيها تدبر، لذا كان ابن عباس يقول: لأن أقرأ (إذا زلزلت الارض، والقارعة) أتدبرهما أحب إليّ من أن أقرأ البقرة وآل عمران تهذيرا. لأن التدبر هو الغاية المنشودة من القراءة، إذ لا يمكن فهم معانيه واكتشاف أسراره والاتعاظ به إلاّ بالتدبر والتأمل لا بالقراءة المستعجلة والقلب ساهٍ.وقد يكون التدبر بترديد الآية، كما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة ومن بعدهم من صالحي الأمة ومن اقتدى بهم، وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بهم ليلة بآية يرددها وهي قوله تعالى (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) سورة المائدة 118.وللوصول الى التدبر لابد من استحضار عظمة الخالق سبحانه الذي بيده الملك وهو على كل شىء قدير، وإن الكلّ في قبضة قدرته إن شاء رحمهم بفضله وإن شاء عذّبهم بعدله، فاستحضار هذه المعاني يدنيك من ساحة التعظيم والاهتمام بكلامه، وهذا التعظيم يؤدي بك الى حضور القلب وصفاء الذهن الذي ينقلك الى عالم تتذوق فيه حلاوة التلاوة ولذّة المناجاة والأنس بالقرب.وكان بعض السلف إذا قرأ آية لم يكن قلبه فيها، أعادها ثانية، ليعيش في جو تفاعليّ مع القرآن العظيم، فإن قرأ أوسمع أمراً أونهياً في القرآن قدّرَ أنه المأمور والمنهيّ أولاً. وإن قرأ وعدا بالثواب أو وعيدا بعقاب قدر أنّه المبشر بالوعد او المنذر بالوعيد، وكانو يرون أن القرآن رسائل أتتهم من الله عزّ وجل فكانوا يتدبرونها في صلواتهم ويقفون عليها في خلواتهم، وإن من لم يكن بهذه الصفات كان حظه من التلاوة حركة اللسان ومن لم يتأثر بالآيات، كان مُعرِضا عنها (وكأين من آية في السماوات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون) سورة يوسف 105.والله أسال أن يجعلنا ممن قرأ القرآن وتلاه حق تلاوته وتجاوب معه بعقل متدبر وقلب متأثر وأن يجعلنا ممن قال فيهم (انما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا) سورة الانفال 2، وأن يجعلنا ممن يتلونه حق تلاوته..اللهم آمين.