12 سبتمبر 2025
تسجيليعود تاريخ علاقات العراق (الغامضة) بالبعثات الدوليّة التابعة للأمم المتّحدة إلى مرحلة ما قبل العام 2003. ويمكن تقسيم تلك العلاقات إلى مرحلتين، بدأت المرحلة الأولى حينما أقرّ مجلس الأمن الدوليّ قراره المرقم (687) في الثالث من نيسان/ أبريل 1991، وبموجبه تَشكّلت اللجنة الدوليّة للتفتيش عن أسلحة الدمار الشامل العراقيّة. وبدأت اللجان الدوليّة مهامها التفتيشيّة في 21 أيلول/ سبتمبر 1991، واستمرّت حتّى السنوات القليلة السابقة للاحتلال في العام 2003. وتمكّنت البعثة الدوليّة، ورغم المدّ والجزْر في علاقتها مع بغداد، من تفتيش (250) موقعا من المواقع الخاصّة والعامّة، الرسميّة وغير الرسميّة، والقصور الرئاسيّة ودمّرت مئات الأطنان من الأسلحة والمعدّات! وقد كانت المرحلة الثانية لعلاقة العراق بالمنظّمة الدوليّة بعد العام 2003، حيث تشكّلت بعثة خاصّة سُمّيت اليونامي (UNAMI) بموجب قرار مجلس الأمن رقم (1500)، بتاريخ 14/8/2003،وتمثّلت ولاية البعثة في تقديم المشورة والمساعدة إلى الحكومة للنهوض بالحوار السياسيّ الشامل، والمصالحة الوطنيّة، والعمليّة الانتخابيّة، وتعزيز حماية حقوق الإنسان والإصلاحات القضائيّة والقانونيّة، وغيرها من المهام. وتقود المُمثّلة الخاصّة للأمين العامّ للأمم المتّحدة الهولنديّة (جينين بلاسخارت) البعثة الدوليّة (اليونامي) منذ 17 كانون الأوّل/ ديسمبر 2018 وحتّى اليوم. واعتادت بلاسخارت على تقديم إحاطتها الدوريّة لمجلس الأمن بخصوص عموم أوضاع العراق وآخرها يوم١٨ أيّار/ مايو ٢٠٢٣. وقد أكّدت بلاسخارت في إحاطتها الأخيرة على أنّ عوامل عدم الاستقرار في الماضي القريب للعراق ظلّت، في معظمها، كما هي، ومن بينها «الفساد، وضعف الحوكمة، ووجود جهات مسلّحة خارج إطار الدولة، والإفلات من العقاب، والسياسة الفئوية، وسوء تقديم الخدمات، وعدم المساواة، والبطالة، والاعتماد المفرط على النفط»!والغريب أنّ بلاسخارت، وبعد تشخيصها للحالة العراقيّة غير المستقرّة، قالت: «ما نعرفه بالتأكيد هو أنّ أيّ حكومة في هذا الوضع تحتاج وقتاً، وهذا بحدّ ذاته يشكّل تحدّياً بالفعل»!فهل التغيير في العراق حصل قبل أسبوعين أم قبل عقدين من الزمان. وهل حكومة محمد شياع السوداني الحاليّة هي حكومة جديدة جاءت بانقلاب (مدنيّ أو عسكريّ) على القوى الحاكمة بعد العام 2004 حتّى تحتاج وقتا للعمل والتغيير أم هي نتاج الأحزاب الحاكمة، أم أنّ توصيف بلاسخارت دعم (دوليّ) للسوداني لترتيب أوراق العراق المبعثرة؟وأظنّ، بالعموم، أنّ تشخيص بلاسخارت بعيد عن الموضوعيّة، وهنالك تدليس واضح على المجتمع الدوليّ في تشخيص الواقع المربك! وأيضا لا ندري عن أيّ»معارضة» تحدّثت بلاسخارت في إحاطتها؟ وهل هي المعارضة الداخليّة ضمن العمليّة السياسيّة أم المعارضة الخارجيّة المنسيّة، والتي تتجاهلها القوى الماسكة للحكم في بغداد؟ وختمت بلاسخارت إحاطتها بالقول» الآن ليس الوقت المناسب للشعور بالتراخي أو أن نعتبر اتّجاه العراق نحو الأفضل أمراً مسلماً به»! وقد تكون هذه الخاتمة محاولة للنقد غير المباشر للواقع العراقيّ الهشّ! وهذه الإحاطة الأممية رفضها الإطار التنسيقيّ بزعامة نوري المالكي، وهذا الموقف كشفه عضو الإطار عبد الرحمن الجزائري، الذي أكّد بأنّ الإحاطة وصفت الوضع العراقيّ بأنّه « منهار وهناك سيطرة تامّة لدول خارجيّة عليه، وهذا غير صحيح، وأنّ الحكومة نجحت في محاربة الفساد»! ولا ندري عن أيّ نجاح يتحدّث الجزائري؟ وصدقا لا نتفهّم لماذا «نجحت» لجان التفتيش الدوليّة في الوصول لأكثر من (250) موقعا في عموم العراق، ولكنّ (اليونامي) عاجزة اليوم عن مجرّد الإشارة الحازمة لقضايا حسّاسة ومنها ملفّات المغيّبين، والسجون السرّيّة، والمخدّرات وغيرها؟ تبقى أنظار العراقيّين متّجهة صوب الأمم المتّحدة لعلّها تساهم حقيقة في إعادة ترميم العراق ثانية!