13 سبتمبر 2025
تسجيلراجت مقولة الشرق الأوسط الجديد خلال ولاية الرئيس الأمريكي جورج بوش، ثم خمدت لفترة طويلة حتى عادت للرواج مجددا على خلفية الأحداث والنزاعات الجارية في سوريا والعراق واليمن وليبيا وغيرها.وإذ جرت تفسيرات كثيرة -ومتضاربة أحيانا- للتصريحات الأمريكية المقتضبة دوما، حول مضمون هذا الشرق الأوسط الجديد، فقد أصبح البارز عمليا هو أن المضمون الرئيسي للشرق الأوسط الجديد، هو حالة التقسيم وإعادة تشكيل الدول والمجتمعات العربية وتغيير توازنات القوى القديمة في المنطقه وإنهاء النظام العربي وتشكيل نطاقات وسياقات أو إحلاف وتحالفات جديدة، لتصبح المنطقة مختلفة أو جديدة كليا.غير أن إعادة تشكيل الشرق الأوسط ليست قضية محلية أو إقليمية فقط تخرج منها الدول الكبرى بمجرد مكاسب كمية هنا وهناك، بل هي قضية صراع دولي أو بين الدول الكبرى على تأثيرها الدولي عبر أرض الشرق الأوسط، كما هي عملية تطورية وتغييرية للتوازنات ومعالم الهيمنة للدول الكبرى أيضا، أو هي عملية تتغير معها الأوضاع الدولية لتصنع عالما جديدا أيضا. وإذ كان مسيطرا على العقول عند البداية أن الشرق الأوسط القديم ستجري هندسته وإعادة توزيع سكانه وتشكيل دوله وفق المشيئة الأمريكية –استنادا إلى سطوة الولايات المتحدة على العالم حين إطلاق هذا المصطلح- وأن الولايات المتحدة ستخرج بعدها لتتربع بلا منافس على سلطة القرار الدولي، فيمكن القول بأن أهم ما جاءت به الأحداث والتطورات في التطبيق العملي، هو أن الدول الإقليمية أو ذات الوزن الإقليمي قد لعبت دورا كبيرا في عملية إعادة التشكيل –بما غير معالم قوة وهيمنة الدول الكبرى- وأن الدول الكبرى المنافسة للولايات المتحدة، قد وجدت في مناخ وظروف إعادة تشكيل الإقليم، فرصتها هي الأخرى لتغيير التوازنات الدولية خلال معركة إعادة تشكيل الشرق الأوسط.لقد تابع الجميع الدور الإيراني في إعادة التشكيل، إذ مدت إيران نشاط قوتها العسكرية ودورها المتطور والمتدحرج عبر ميليشيات مدربة ومدعومة منها، وهي وصلت الآن حد التدخل العسكري المعلن عبر قواتها النظامية، ووصل الحال أن أعلنت مد نفوذها ودورها ومصالحها إلى البحرين الأبيض والأحمر، بما يغير الأوضاع الدولية. كما تابع العالم الدور التركي الذي يختلف في نمط حركته وأهدافه عن الدور الإيراني، وفي ذلك كان البارز أن تواجهت تركيا مع روسيا على أولى بقاع الشرق الأوسط -سوريا- كما باتت تركيا في وضع التمايز وربما التضاد مع السلوك والدور الأمريكي. لقد ضعفت مكانة أمريكا بسبب توتر وتغيير نمط علاقاتها مع تركيا ودول الخليج. لكن البادي أكثر والدلالة الأهم أن رأينا العالم يتغير لا الشرق الأوسط، إذ أوروبا الآن في وضع المتفاعل كقوة إلى درجة البحث في تشكيل جيش موحد أو قوة عسكرية موحدة لها، كما هي الآن في موقف الرافض للاستخدام الأمريكي لحلف الأطلنطي للتغطية على الدور الأمريكي المنفرد لها. كما تابع الجميع وصول روسيا إلى خط الدخول العسكري في سوريا والتحالف مع إيران وبشار والميليشيات الطائفية والحكم الطائفي في العراق، وهي أيضًا في وضع التنسيق مع إسرائيل ووضعية التفاوض والضغط مع الولايات المتحدة –حتى باتت هناك خشية من يوم يصحو فيه العرب على اتفاق أوباما بوتين أو كيري لافروف- على تقسيم تركة الرجل المريض الذي هو العرب، كما كانت تركة دولة الخلافة في زمن اتفاق سايكس بيكو، وأخيرا فقد شهدنا الصين تبدي تطويرا لدورها في الشرق الأوسط، فإذ عينت مبعوثا للسلام الفلسطيني الإسرائيلي فقد عينت مبعوثا لسوريا وذهبت باتجاه تفعيل منتدى التعاون الصيني العربي على خلفية إصدار وثيقة حول سياستها العربية..إلخ. والأهم أنها فعلت مكانتها الدولية على حساب الآخرين وطورت تحالفها مع روسيا خلال انشغال الجميع في معركة إعادة تشكيل الشرق الأوسط.ليس الشرق الأوسط هو من يتغير. فعملية التغيير أتاحت فرصا لإحداث تغييرات في عوامل قوة الدول الإقليمية والكبرى بما يعيد تشكيل خرائط توازنات الوضع الدولي تزامنا وبسبب الشرق الأوسط.