18 سبتمبر 2025
تسجيلبعد ما يقارب الأربع سنوات من القحط السياسي في الشارع العربي، بات من يفكر بعقله يرى أن الشعب العربي أو بعضا منه كانوا يحاولون بناء بيوتهم السياسية على شاطئ من رمال البحر الهادر، والسبب في ذلك أننا لا نرغب على الإطلاق بالاعتراف أننا لا نمر في حياتنا من خلال مراحل النضوج الطبيعية سياسيا واقتصاديا وفكريا، فمجرد أن شارك أحدهم في قيادة أحد الألوية العسكرية أو دخل أو تمكن من حفل سياسي، وإذ به يقرر فجأة وصاحب الحق في الزعامة ليكون رئيسا للدولة.فمن ينظر إلى مصر، يرى كم هو الحال مائلا والمشهد محزنا، والديمقراطية أشبه ما تكون غانية ترقص على طاولة أهل السياسة والعسكر، إنهم يأخذون الديمقراطية التي يعرفها الناس إلى غرف نومهم، لتنجب بعد عام واحد طفل غير شرعي، ففي الظاهر هو ابن فراش الديمقراطية ولكنه ابن أبيه السياسي المختبئ وراء الأفق، لقد عادت مضارب الجاهلية تضرب أطنابها في صحراء حياتنا السياسية، حيث يتداول ثلاثة أو أربعة رجال امرأة واحدة والابن المولود هو من يختار أبيه فيما بعد، وهذه ديمقراطية العرب اليوم، ديمقراطية التزويج بالإكراه لكرسي الرئاسة وسط ما يسموه عرساً ديمقراطيا.ما يبعث على الضحك ليس الموقف الطريف بل المواقف المشاهد المخزية في انتخابات الرئاسة المصرية التي حدث فيها كل شيء إلا الانتخابات، فهي لم تعدو عن كونها استفتاء على شخص السيد عبدالفتاح السيسي الذي خطف الزوجة العزيزة مصر من بين أهلها، وأودعها لدى بيت الطاعة عند الخصوم، وحتى يحل للسيد السيسي زواجها، كان الخاطب المحلل موجودا كعادته إنه المرشح حمدين صباحي الذي حاول مع طيف واسع من مدعي الحرية والديمقراطية من أهل اليسار والاشتراكية والخزعبلات السياسية أن يشكلوا طرفا منافسا في انتخابات الرئاسة، وهم ليسوا سوى ممثلين كومبارس لآخر نسخة من الأفلام الهابطة في السينما المصرية.قبل عام وفي مثل هذه الأيام كتبت هنا أننا لا نستغرب أن يصبح الفريق عبدالفتاح السيسي رئيسا لمصر بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، كان ذلك بعد أسبوع من الانقلاب على الرئيس مرسي الذي أفرزته ثورة عارمة ضد عهد مبارك الذي تزوج الرئاسة أيضا عن طريق الاستفتاء على شخص الرئيس الأوحد، وإن اعتلى مرسي سدة الحكم من خلال انتخابات كانت المنافسة فيها حقيقية ومحتدمة، ورغم الاقتناع بشخص مرسي أو عدم الاقتناع به كرئيس، فإنه كان الرئيس المنتخب بشهادة العالم، ولكن عاما واحدا كان كافيا ليكشف كم أن نصف المصريين على الأقل، وغالبية العرب ما زالوا على دين آبائهم، فقد ارتدّوا عن الديمقراطية والحرية التي كانوا ينشدونها وصدعوا رؤوس العالم فيها، فهاهم هناك اختاروا أخيرا أن يبدلوا بسطار مبارك ببسطار السيسي، على وقع العزف ورقص النساء الرعاع، ونباح أبواق الفضائيات التي تغير وجهها ولسانها في اليوم مائة مرة.الفاجعة التي نكتشفها كل يوم أن لا أحدا من أباطرة الإنقاذ السياسي في هذا العالم العربي الغريق يريد أن ينقذ نفسه أو شعبه من الغرق في الوحل السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، فالمشاكل الاقتصادية التي تدك قلاع المجتمع المحافظ وأمنه باتت سُلمّا يستخدمه المتسلقون ليخرجوا من قاع المجتمع المظلم إلى أعلى شرفات القصور الرئاسية حكاما وقادة ورؤساء، وما الشعوب إلا قرابين تذبح عند أقدام الغزاة الجدد، الغزاة الذين هم من دمنا ولحمنا وجلدتنا ولكن عقولهم تم برمجتها بالكامل لصالح أي قوة أو دولة أخرى إلا دولتهم، وإلا فكيف يقبل هؤلاء أن يعودوا إلى "مغارة الوحش" بعد أن خرجوا منها، وكيف يقطعون الحبل الذي مدّ لهم لينقذهم من ذلك الوحّل المصيبة الأكبر أن مصر أم الدنيا وحاضرة العروبة ومنارة الثقافة وكوكب السياسة والخزان البشري الأكبر في العالم العربي عجزت عن فرز شخص واحد يستحق منصب الرئيس، فكيف لعرش مصر أن لا يجد شخصا واحدا من بين 90 مليون إنسان ليس لديه الكفاءة ليتربع عليه، ثم لا يجدون سوى ضابطا في الصف الخلفي، لا يمتلك حتى فن الكلام المشهور به أهل مصر، ليكون "الزعيم"، ولعلني أكون مخطئا، فيظهر بعد حين أن السيسي فعلا هو أفضل من في مصر، كما هو حال نوري المالكي الذي أصبح الخيار الوحيد في العراق ليعاد انتخابه المرة تلو الأخرى، والأسد القادم بقوة السلاح الرئاسة في بلاد العرب بات لها قانون واحد هو تزويجها لمن يغتصبها، كما يحدث في بلاد العرب حين يزوجون الفتاة للوحش الذي يغتصبها، لهذا لم يعد من المفيد ولا المريح الحديث عن الديمقراطية التي تفرز قادة ذوي كفاءة، فالجلاد أقوى بكثير من الضحايا.