19 سبتمبر 2025
تسجيلالتراكمات المصاحبة لحالات الحزن تفرز أنواعا أخرى من الآلام النفسية يؤثر المشهد السياسي بتقلباته المتسارعة على الناس فيما يتسبب هذا الأمر في نشوء حالات القلق عطفاً على ما يفرزه الاحتقان من ظروف صعبة والكل يدعو الخالق تبارك وتعالى بأن يزيل الغمة وأن يعود الهدوء وتسدل السكينة ثوبها القشيب ليمسك الاستقرار بزمام الأمور ويزيل الآلام لاسيَّما النفسية، ويعتبر الضحك أحد العوامل الدالة على انشراح الصدر المؤسس للاستقرار المعنوي والاسترخاء، وقد تتشكل درجة الاستقرار غير أنها لا تعكس الحالة النفسية بشكل عام، بمعنى أن الإنسان قد يهرب من واقعه النفسي المرير إلى الضحك بغية اختلاس دقائق أو ساعات، للخروج من دائرة الحزن التي تلم به نتيجة لظروف يتعرض لها سواء كانت مالية أو اجتماعية أو غير ذلك، وفي هذه الحركة الإيجابية التي يلجأ لها الإنسان في هذه الظروف تحقيقا للتوازن فهو يعاني من نقص في الفرح، في حين أن هذا النقص سيؤثر ولا ريب على الصحة بشكل عام. إن التراكمات السلبية السيئة المصاحبة لحالات الحزن لا تبرح أن تفرز أنواعا أخرى من الآلام النفسية المبرحة المهيئة لنشوء أنواع أخرى من الأمراض تبعا لإضعاف مستوى المناعة في الجسم في هذه الحالة وضعف التصدي لتلك الأمراض، بل إن اتجاه الشخص المتأزم لهذا الأسلوب في بحثه الترويح عن النفس وهو في خضم معضلة التشابكات النفسية المؤلمة والتي حاكت خيوطها البغيضة قد تكون سببا في إيجاد الحلول المناسبة، لأن الذهن في حالات الغضب والحزن ينكمش ويرسم الأسى خيوطا لا مبرر لها ويكون خاضعا لتفسيرات تحوم حول المشكلة بتضخيم تبعاتها وتهويل آثارها ما يسهم في تعطيل تفكير الإنسان وبالتالي إقفال المخارج من جهة أخرى، مع العلم بأن هناك أكثر من مخرج لتجاوز هذه الأزمة أو تلك، بيد أن الغشاوة التي انبثقت من هذه الحالة، حالت دون رؤية تلك المخارج، فكان الانتقال من الحزن إلى الضحك ومن التأزم إلى الاسترخاء معبرا للرؤية التحليلية المتزنة، وقراءة الواقع وفق نظرة تفاؤلية تثبت بما لا يدع مجالا للشك بأن كل مشكلة ولها حل، فقط أطلق العنان لمخيلتك وحرر ذهنك من سطوة اليأس التي تحيل القدرة إلى وهم وتقذف بالحلول بعيدا، فيما تكون في متناول اليد ويسهل استدعاؤها، سواء من خلال الضحك أو الابتسامة أو من خلال الانتقال من دائرة المشكلة بممارسة الرياضة والقراءة، وغير ذلك من الوسائل التي تتيح بسط الحلول في الذهن وبالتالي يجسدها التفكير السليم على أرض الواقع، وتتعدد مصادر الضحك وتستقي هذه المصادر وقودها من المفارقات غير المنطقية ليتسع هامش التطويع، طبقا لهذه المساحة التي تستثمرها خصوبة الخيال لتتبلور إلى (نكتة) يتداولها الأفراد، وغالبا ما تنشأ على صفة تعليق على المواقف أو الشخصيات، وهذا النوع من التنفيس رغم أنه يحمل الطابع الهزلي، إلا أنه في بعض الأحيان يتشكل ويسهم في تكوين رؤية محددة إزاء موقف معين، كغلاء أسعار بعض السلع، وارتفاع أجور بعض الخدمات، وقولبتها بمشهد كوميدي يعبر عن هذه الحالة، وتبقى الحاجة للابتسامة ملحة في ظل حالات الاحتقان التي تصيب البشر نتيجة لانعكاس الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، عدا عن تأثير الضحك على الحالات النفسية، واختزال حدة التوتر والانفعال المصاحبتين لهذه الحالات، مما يسهم في رفع الروح المعنوية وتعزيز الثقة عبر التفاعل المرن مع المعطيات، والتسليم بأن الحياة لا تخلو من مشاق ومصاعب، لذا فإن البحث عن الإحساس بمتعتها من خلال الأنشطة المتعددة والمصادر المختلفة، ومن ضمنها البحث عن الابتسامة، سيريح النفس من أعباء الحياة المستمرة، وفي السياق ذاته فبقدر ما يكون للضحك من آثار إيجابية بقدر ما يحمل آثارا سلبية، لاسيَّما إذا كان على صيغة التهكم والسخرية، حينها يكون بلا طعم ولا رائحة، أي منزوع الأدب والدسم معاً، كذلك فإن كثرة الضحك والإفراط فيه سينعكس بشكل سلبي، لأن الشيء إذا تجاوز حده انقلب ضده، فمقدار الطاقة التي ستضخها في حالة الفرح ستضخ مثلها في حالات الحزن، بمعنى أن مضاعفة العطاء تبعا لاختلال التوازن في هذه الناحية سينسحب على الحالات الأخرى، وهكذا دواليك، فلا إفراط ولا تفريط، والضحك أمر جميل بل إن الكل يبحث عنه، وأجمل من هذا وذلك حين يكون للضحك معنى وقيمة، وأعني بذلك أن يكون هادفاً ومثيراً للتحليل والتأمل، وحينما تتسع الآفاق ويحيط الإدراك بالمنظور المتعقل المتزن فإن هذا ولا ريب مؤشر بأن الابتسامة تظل رموشا بعد النظر وقلب الرؤية الثاقبة.