20 سبتمبر 2025
تسجيلمطلع عام 2014 أوقفت المنظمة السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة إحصاء قتلى السوريين، بعد أن رأت الأمر كما أعلنت أنه من الصعب عليها متابعة إحصاء الأرقام، وغدا مكلفاً ربما لها، فإن كانت مؤسسة بحجم الأمم المتحدة أتعبها إحصاء قتلى السوريين، فلكم أن تتخيلوا ظروف وتداعيات القتل على السوريين، بالإضافة إلى أوجه المعاناة التي عاشها السوريون ولا يزالون. في نفس الفترة كان السوريون يردّون على قرار الأمم المتحدة، بأنهم هم أيضاً توقفوا عن إحصاء القتل، لكن لأسبابهم المختلفة، فقد بدؤوا يعدون المجازر التي يرتكبها النظام السوري، نظراً لضخامة المجازر وليس ضخامة أعدادها فقط. مجزرة حي التضامن الدمشقي الذي هزّت العالم كله، ولم تهزّ شعرة في جسد الأمم المتحدة، الذي كان أمينها العام أنطونيو غوتيرش يتجول في شوارع كييف، أما شوارع حمص ودرعا وحلب وغيرها من المدن السورية التي تحوّلت يباباً، واقتصر دورها على أن تكون منصات إيضاح لعدوان بوتين على المدن الأوكرانية، فلا تستحق بالنسبة للمنظمة الدولية ولا لأمينها العام زيارات مماثلة، والأسوأ أن مبعوثه غير بيدرسون كان مهموماً فقط باستمرارية وظيفته بالتوسط في اللجنة الدستورية، فهو يعلّق على كل ما يتعلق بالقضية السورية إلاّ في مجازر يرتكبها النظام. مجزرة التضامن التي أعادت جرحاً مفتوحاً للشعب السوري، ولم يعد جرحه لوحده، فالكل يعلم ما يحلّ بالجرح بعد 12 عاماً إن أُهمل منطقوياً ودولياً، حينها لا مجال أمام الجرح إلا التقيّح، وبالتالي يصاب الجسم كله بالغرغرينا، وما نراه اليوم من تجرؤ روسي في أوكرانيا، وبلطجة لعصابات طائفية هنا وهناك، إنما انعكاس عملي للتخلي والإهمال الذي أدمنة المجتمع الدولي تجاه الجرح السوري النازف والمتقيح طوال تلك الفترة. مجازر السوريين، عكسها من جديد نشر الناشطين على حساباتهم على الفيس والتويتر لمشاهد قديمة، مما جعل العيش مع هذه العصابة مستحيلاً، فمكانها الحقيقي إنما هو في محاكم شعبية، لعلها تُنصف الضحية وأقاربها، وقد أتاح تساهل مواقع التواصل الاجتماعي بنشر العدوان الروسي في أوكرانيا، وأفعال الروس، فرصة للناشطين السوريين في نشر بعض مجازر النظام السوري دون معوقات، كما كان عليه الأمر سابقاً، وهي الحسابات التي كانت تتعرض للحذف والتقييد في السابق. جبل جليد مجازر السوريين لم يبدأ من مجزرة التضامن والحولة والبيضا وتفتناز وحي الوعر ودرعا ودير الزور وغيرهم، وإنما بدأت منذ سطو هذه العائلة على السلطة في عام 1970، يوم أبادت مدينة بكاملها وهي مدينة حماة، ولا تزال المدينة تنتظر كما الشعب السوري حقيقة ما جرى لها، فضلاً عما جرى لأكثر من 30 ألف معتقل من خيرة أبناء سوريا في سجن تدمر الرهيب على مدى حياة حافظ أسد ثم نجله بشار الأسد، ولن ينسى السوريون مجزرة حي المشارقة بحلب ليلة العيد من عام 1980، والتي تحل ذكراه هذه الأيام حين تم قتل المئات بدم بارد، وكان بطل المجزرة يومه المجرم هشام معلا، ومعها كانت مجازر سوق الأحد التي وقعت يوم 13/7/1980 والتي راح ضحيتها 192 شخصاً، ومجزرة بستان القصر في 12/8/1980 والتي راح ضحيتها 35 شخصاً، إضافة إلى مجزرتي حي الكلاسة والقلعة، ونحن هنا لا نتحدث عن مجازره في لبنان ولعل أفظعها مجزرة باب التبانة في طرابلس بلبنان من عام 1986 يوم قتلت مليشياته الطائفية ومع جنوده 700 سني لبناني ذبحاً بالسواطير والسكاكين وقد غصّت يومها المشافي بالقتلى والجرحى، وخلال فترة 2011-2013 أربع عشرة مجزرة طالت أربعة آلاف من النساء والأطفال والشيوخ ممن ذبحوا بالسكاكين والسواطير في كل أنحاء سوريا. الصمت العالمي الذي التزم به منذ ذلك الحين وحتى اليوم هو الذي جرّأ العصابة على تكرار مجازر عام 2011 وما بعده، ولو كان العالم اتخذ موقفاً منذ ذلك اليوم لما تطاول النظام على ما يسمى زوراً وبهتاناً بشعبه. ونحن نرى تدمير مدن وقرى وبلدات، وإبادة شعب، وتهجير 14 مليون شخص، فضلاً عن جلب احتلالات وعصابات طائفية عابرة للحدود. المسؤولية تقع على المجتمع الدولي، فإن لم يكن معنياً برفع الظلم عن الشعب السوري، فلا أقل أن يردع النظام ومن يدعمه على تعويم أنموذجهم التدميري ونحن نرى تجلياته وامتداداته اليوم بما يجري في أوكرانيا، هل لو تم إيقاف الأسد وحلفائه المحتلين في دمشق لكنا رأيناهم في كييف؟ سؤال يرسم كل معني بحقوق الإنسان، وبتاريخ البشر.