20 سبتمبر 2025

تسجيل

الفساد في المجتمع الأبوي

03 مايو 2021

مجتمعات دول الخليج العربية قاطبة مجتمعات أبوية، لذلك فإن مواجهة ظواهرها السلبية مثل الفساد والإرهاب والفقر وغير ذلك لا تواجه فقط بالإجراءات بعد حدوثها، ولكن بتنشيط النموذج وإعطاء المثال أو ضرب المثال، لأن طبيعتها الأبوية تختلف تماماً عن طبيعة المجتمعات الديمقراطية التي تمتلك الآليات المناسبة لمواجهة مثل هذه الظواهر السلبية. في المجتمع الأبوي تنشط المماثلة ويسود ولا يشعر المجتمع بخطر الظاهرة الاجتماعية السيئة، طالما أن التماثل قائم، بل يحاول كل فرد فيه أن ينخرط وينضوى داخل دائرة التماثل بأي شكل من الأشكال، وهو ما استطيع تسميته اجتماعياً بعدوى الأب. في ظل غياب آليات ديمقراطية لمواجهة هذه الظواهر الاجتماعية الخطيرة يقف المجتمع أمام خيارين، إما الانضمام أو تقبل ذلك، وإما مقاومتها بأي شكل متاح، كما نرى اليوم بعد الاستخدام الكثيف لوسائل الاتصال الاجتماعي التي أتاحت فرصة تاريخية لتحريك هذا النمط الأبوي في دول الخليج. الآن، تاريخياً رأينا بل إن كل تاريخنا العربي والإسلامي وما نفخر به ونردده دائماً نابع من النموذج الأبوي المستنير، عمر بن الخطاب، عمر بن عبدالعزيز، عبدالله السالم حديثاً، لم ننتقل إلى النموذج المؤسسي كما في الغرب الذي لا يعتمد على الفرد وصلاحه، ولكن على إجراءات مكافحة الفساد وكشفه والتمثيل به، حتى بنغلاديش الفقيرة تعاقب الفاسدين وتعدمهم بمن فيهم الرؤساء، لأنها نموذج نظام وليست نموذج فرد أو أب، الإشكالية في نموذج الأب هو أنك لا تستطيع إلا أن تلمح أو تكتفي بالإشارة غير المباشرة أو بكبش فداء هنا أو هناك. ولكن هل ينتمي الفاسد إلى الفساد بالوراثة؟، الجواب لا، لكنه يحتمل هشاشة قبوله كإنسان، تتضخم وتقوى هذه الهشاشة أو تضعف طبقاً لثقافة المجتمع، هل الفساد له أخلاقيات تبرره، أو تجعل منه مقبولاً هنا ومرفوضاً هناك؟، هنا يفرض النموذج الأبوي ذاته، حيث يستقطب دوائر المجتمع الأخرى، بما فيها التي تمثل الدين إذا أراد أن يمرر نموذجاً بعيداً عن حالاته القيمية والأخلاقية. إذن نحن في دول الخليج لكي نكافح الفساد إذا كانت هناك نوايا جادة، فعلينا الانتقال من النموذج الأبوي الفردي إلى النموذج المؤسس الذي يعتمد على تشريع وإجراءات قانونية واضحة لمكافحته، أما إذا فضلنا النموذج الأبوي أو المثالي العابر للزمن، فلننتظر عمر بن خطاب آخر أو حفيده الأموي عمر بن عبدالعزيز ولتذهب أجيال الانتظار الذي قد لا يأتي ولن يأتي إلى الجحيم. [email protected]