19 سبتمبر 2025

تسجيل

إنسان البعد الواحد

03 مايو 2020

عندما ذكر هربرت ماركوز " أحد أعلام مدرسة فرانكفورت النقدية " أن المجتمع الصناعي الرأسمالي خلق للإنسان حاجات وهمية جعلته يصبح جزءاً من نظام الإنتاج والاستهلاك الرأسمالي وبالتالي أبعده عن حاجاته الحقيقية ليصبح بامتياز "إنسان البعد الواحد " فلو نظرنا إلى ما نحتاجه اليوم لوجدنا أنه لم يكن كذلك في السابق وما كان لا يمثل ضرورة في السابق أصبح اليوم حاجة ضرورية برغم عدم تبدل الظروف فالهاتف النقال على سبيل المثال لم يشعر أحد بالحاجة إليه إلا بعد اختراعه بمعنى أن وجوده خلق الطلب عليه فهو اليوم حاجة ضرورية للجميع دون شك وغيره كثير من الماديات التي تظهر في الأسواق فالعولمة تخلق الحاجة أولاً ثم تخلق الطلب عليها ثانياً وهكذا . ولكن تغول رأس المال يجد مقاومة عنيفة في بلدانه، فاليسار التقليدي بأطروحاته الاجتماعية بدأ يعود إلى الواجهة وقوى المجتمع المدني في أوروبا وأمريكا الآخذة في التعاظم والتي تقوم بالتصدي لذلك التغول الذى صرف الإنسان عن حاجته الحقيقية في مجتمع تسوده قيم روحية ليرمي به في أتون وهم الثراء الفاحش، وهي ظاهرة بدأت واضحة في أطراف ذلك التمدد الرأسمالي حيث آليات التحكم عن بعد في أيدي المراكز الرئيسية . علينا أن نتذكر أن ما يسمى بالرأسمالية المتوحشة التي تتصدى لها قوى المجتمع المدني والأهلي في الدول الغربية قامت على أعتاب ديمقراطيات صلبة، ومع ذلك لا تزال في جنوحها وتغولها واغتيالها للبعد الإنساني، أما ما يحدث في مجتمعات المصب الرأسمالي "دول الاطراف"التي لا توجد فيها أصلاً ديمقراطيات لاجمة لمثل ذلك التغول فهي أبعدت الإنسان وحولته ليصبح ترساً في آلية الإنتاج والاستهلاك وأصبح وجوده وجوداً زائفاً لا ينبع من أصالة وجوده كإنسان . [email protected]