23 سبتمبر 2025

تسجيل

دعاة التطبيع.. وقنوات التلميع

03 مايو 2020

عمره لم يتجاوز الرابعة، مرحلة الطفولة بجمالها وعفويتها ولعبها تجاوزها بكل معطياتها الطفولية ليتجاوز أسوارها، حاملا بندقيته مصوبة إلى بيت المقدس، في فكره هدف، وحلم وإصرار، وفي قلبه غريزة حب وإيمان، تجاوزت كل الرهانات والصراعات السياسية، ليقول للعرب النائمين في مستنقع المصالح والتوطين "هاي القدس يا عرب"، "علشان الله هاي مسرى الرسول" مناديا صلاح الدين لإنقاذ القدس، "انهض يا صلاح الدين مشان الله"، لم يعبأ بتوسلات والدته التي تحاول منعه، فما يحمله على عاتقه أقوى من توسلاتها، ولم يهتم بالممارسات الصهيونية، وما هو المجهول الذي ينتظره، هناك صوت داخلي قويّ يناديه أنها القدس مسرى الرسول، لم يدرك بطفولته معنى قوله تعالى: "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ"، ولكنه الحس الديني والوطني تجاه القدس، وتجاه المرابطين من أبناء فلسطين في مواجهة الصهيونية، جعلته يحمل شعار "روحي للقدس" ليحمل على عاتقه قضية أثقلت عاتق العرب فتركوها تتهاوى بين سندان أمريكا وسوط العدو الإسرائيلي وأسقطت فكرهم في مزبلة التاريخ، ليعيد لنا ما قاله الملك فيصل رحمه الله حين سئل في لقاء لإحدى وسائل الإعلام الأجنبية، ما هي الأحداث التي تحب أن تراها في الشرق الأوسط فقال: "أول كل شيء زوال إسرائيل"، لذلك حصد هذا الفيديو الاستثنائي للطفل الفلسطيني الاستثنائي "أمير" 11 مليون مشاهدة، وأبهر العالم، ولعلنا جميعاً نتذكر ملامحه المتفاعلة مع الموقف بالغضب والإصرار والثأر وهو يردّد "رايح أطخ اليهود" ليترك خلفه الالتزامات الدينية والقومية والإنسانية العربية والإسلامية، والمواثيق والعهود تجاه القضية الإسلامية والشعب الفلسطيني المرابط في مواجهة العدو الصهيوني، كما يترك درسا قويا يصفع به اليوم ما نراه على الساحة العربية والخليجية بالاستهجان بالفكر الإنساني، حين أصبح التطبيع مع الكيان الصهيوني ظاهرة وجودية ووجوبية، تفرض على المجتمعات العربية، شاءت أم أبت، هذا العبث الفكري المتصهيّن ليس خلال اللقاءات والمؤتمرات والتمازج الرياضي والفني والثقافي التي عهدناها، إنما تعدت رائحة التطبيع بوجه آخر في إعلامنا العربي خلال إنتاج المسلسلات المثيرة للجدل والخلاف، التي تحفزّ على التطبيع ليظهر لنا مسلسل "أم هارون" الذي انتجته قناة "mbc" ليقدم بشكل غير مباشر الترويج عن التطبيع العلني مع اليهود، مجرد حلقة من حلقات سلسلة التطبيع من خلال منصات التواصل الاجتماعي وبعض الصحف الخليجية للترويج والتلميع لبعض قادة الصهاينة والتي كانت من المحرمات في السابق، لذلك كان المسلسل محورا للجدل والرفض والغضب والنقد، باعتباره أخطر من التطبيع، الذي وصفه أحد القادة الفلسطينيين بـ "العدوان الثلاثي" وقد قيل إن مسلسل "أم هارون" من أخطر ما فيه هو تمرير الموقف الصهيوني من حلّ مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، حيث إنه حسب صفقة القرن فإنه مقابل تهجير الفلسطينيين من وطنهم فإن آلاف اليهود الذين عاشوا في البلاد العربية تم اضطهادهم وتهجيرهم بالقوة إلى الدولة الجديدة إسرائيل، ومن حقهم التعويض عن معاناتهم وممتلكاتهم التي تركوها خلفهم، بل من حق إسرائيل أن تتلقى تعويضاً عن احتضانهم لعقود طويلة..". فبماذا نفسر ما قاله أحد ممثلي المسلسل "إسرائيل لن تزول" أليس ليؤكد مقولتهم التوسعية الحدودية من النيل إلى الفرات، وترسيخ صفقة القرن، الهادفة إلى خدمة الصهيونية واستراتيجية حركتها العنصرية العدوانية وتعزيز هيمنتها لكامل الأراضي الفلسطينية التاريخية تمهيدا للانتقال للأقطار العربية، مما يشعرنا بالاشمئزاز والاستخفاف، حين تسللت الدعوة للتطبيع بأسلوب آخر خلال الأعمال الدرامية وفي شهر فضيل، وفي زمن الصراعات والمحن والتناحر السياسي، وإن كان القصد منه إسدال ستار التسامح والمحبة والتعايش، حين كان البعض من اليهود يقطنون في بعض دول الخليج،، إلا أننا لابد أن نستشعر بوحشية الممارسات الإسرائيلية الإحرامية التي تراءت أمام ناظري الطفل الفلسطيني "أمير" لينتقم بروحه الوطنية وحسه الديني لأم ثكلى، وطفل يتيم، وشاب أسير، ويمسح الجراحات والتشوهات والآلام التي بصمتها الأيادي الصهيونية القذرة وما زالت، وفي ظل امتداد التطبيع، ويقول تباً لكم أيها العرب.. لكنها مفارقات التعامل مع من يعيش عمق القضية الفلسطينية ويواجه من يحاول طمسها من العدو، وبين من يريد تحقيق مصالحه ببيعها بثمن بخس من خلال التطبيع مع العدو بشتى الوسائل.