14 سبتمبر 2025
تسجيلتبدو الأحوال في مصر، في وضع أقرب إلى الهدوء، إذا قارنا ما نراه الآن في الشوارع وعلى صعيد الحراك بين القوى السياسية، بما كان جاريا في الشوارع من مظاهرات وأعمال عنف بالخرطوش والمولوتوف ومليونيات وهجمات على المقرات الرسمية والحزبية. ووسط هذا الهدوء يمكن الحديث بقدر من الهدوء حول ما هو مقبل في قادم الأيام . وواقع الحال أن أسباب الهدوء البادي الآن متعددة. فهناك أن المعارضة قد أنهكت نفسها، كما هي أيقنت الآن أن أساليب العنف التي جرت في الشوارع قد أصابت شعبيتها بخسائر حقيقية، بما استدعى التهدئة. وهناك أن الحكم أدرك من جانبه أن البقاء في موقع متلقي الأفعال – ولو على طريقة ترك المهاجم يهاجم حتى تنهك قواه – لم تعد إستراتيجية مناسبة بعد الخسائر الجماهيرية التي لحقت بالنظام والحركة الإسلامية .لقد أثبت النظام الراهن قدرته على الصمود وتحول هو إلى تحقيق إنجازات أعطت أملا لدى بعض القطاعات الشعبية بما حقق قدرا من الهدوء. وفي كل الأحوال، فالسبب الرئيسي لما نراه حالة هدوء الآن، يعود إلى أن الجميع يستعد للانتخابات البرلمانية القادمة، ويوظف كل طاقاته لخوض تلك المعركة الحاسمة في تاريخ وعمر وعلاقات التنافس والصراع التي شهدتها البلاد .نعم هي " معركة الحسم" بالنسبة لجميع الأطراف. الإخوان أو حزب الحرية والعدالة والأحزاب المتحالفة معه، يدركون أن خسارتهم للانتخابات أو تحولهم إلى وضعية معارضة في مجلس النواب القادم يمثل خسارة لا تحتمل. فمن سيفوز بالأغلبية هو من سيشكل الوزارة، وفى حال فازت المعارضة بالانتخابات وشكلت الحكومة القادمة، ستكون المعارضة في وضع أقوى من مؤسسة الرئاسة والرئيس بحكم ما أعطاه الدستور الجديد من صلاحيات لرئيس الوزراء المنتخب الذي سيصبح مستندا إلى أغلبية في مجلس الشعب المناط به سن التشريعات وتعديل الدستور. والمعارضة بكافة أطيافها تدرك أن فوز الإخوان وحلفائهم في معركة مجلس النواب يعني هزيمة كلية للمعارضة، وارتهان كل الأمور في إدارة الدولة وإصدار التشريعات بقرارات الرئيس ورئيس الوزراء من نفس التيار. المعارضة لاشك تقول لنفسها الآن إنها المعركة الختامية في كل ما جرى بين المعارضة والحكم الراهن وأن خسارتها للانتخابات تعني الانتظار عدة سنوات حتى تعود إلى حالة المنافسة، وأن خطة تشكيل النظام السياسي الجديد تكون قد استقرت على ما انتهى إليه رأي ونشاط الحركة الإسلامية . والحق أن معركة مجلس النواب القادم هي معركة حسم مصير الثورة المصرية، وليست فقط معركة انتخابات حسم النزاع بين الحكم الراهن والمعارضة. لقد ظهر اتجاهان متناقضان في وقائع الثورة، جرى الصراع بينهما منذ خلع مبارك وحتى الآن، كان لكل منهما رؤيته في إدارة المرحلة الانتقالية وفي القوانين والتشريعات وفي الدستور والجمعية التي تعده ومواده وفي نتائج الانتخابات التشريعية والرئاسية وصلاحيات ودور مجلس الشورى..إلخ، وهي خلافات وصلت إلى حالات عنف وأعمال صراعات في الشارع هددت بقاء وانتظام ودور الدولة المصرية، وجرت خلالها مناشدات بعودة الجيش إلى إطاحة الرئيس والتيار الحاكم وبدء مرحلة انتقالية جديدة. الآن تقترب الثورة المصرية من حسم مسارها النهائي من خلال الانتخابات البرلمانية القادمة .فإذا انتصرت المعارضة فنحن أمام إعادة فتح كل ملفات المرحلة الانتقالية لنعود إلى بدايات الأمور، وإذا فاز حزب الحرية والعدالة وحلفاؤه في المعركة الانتخابية فمصر تبنى على ما تحقق من قبل، وفى تلك الحالة لن يكون أمام المعارضة إلا الانضواء في داخل دورة النظام السياسي الجديد، وأن تتحول من حالة وفكرة إسقاط النظام إلى حالة العمل من داخل النظام.