13 سبتمبر 2025

تسجيل

فلمّا ورد ماء مدين!!

03 أبريل 2024

في هذه الجزئية من قصة موسى عليه السلام عدة مشاهد جديرة بالتدبر والاستنباط، قال تعالى في سورة القصص: (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ)، خرج موسى من مصر خائفًا من فرعون وجنوده فلما يمم وجهه تلقاء مدين دعا بهذا الدعاء (عَسَىٰ رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ) ولا شك أن خير الدعاء هو ما جاء على لسان الأنبياء، فهل لنا أن ندعو بهذه الصيغة عندما نسلك طريقًا نلتمس فيه قضاءَ حاجةٍ من حوائج الدنيا؟، لقد استجاب الله لنبيه فآمنه من بعد خوف ويسر له زوجةً ومصدر رزق، ثم اصطفاه بكلامه ورسالته. وعندما وصل موسى إلى ماء مدين، أي ورد على بئرها الذي ترده الرعاة، وجد جماعة عظيمة من الناس يسقون أغنامهم ووجد امرأتين تكفكفان غنمهما حتى لا ترد مع غنم الرعاة إلى أن ينفضوا عن البئر، قال تعالى: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ)، لم يكترث الرعاة بهما ولم يلتفت أحدٌ لمساعدتهما وقد منعهما الحياء عن مزاحمة الرجال، هنا تحرك حس المسؤولية الاجتماعية لدى سيدنا موسى فتقدم تجاههما قائلًا: (قَالَ مَا خَطْبُكُمَا) فجاءه الرد منهما معًا وكأن الحياء يدفعهما مرة أخرى أن لا تستفرد إحداهما بالحديث مع الغريب: (قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ)، جواب مختصر بليغ يبين حاجتهما وسبب وجودهما في هذا المكان، فما كان من موسى عليه السلام إلا أن قضى حاجتهما وتولى عنهما دون إطالة حديث أو طلب اجر لما قام به مع أنه في اشد الحاجة للطعام، قال تعالى: (فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ). ولقد استدعاه أبوهما ليعطيه الأجر على ما فعل قال تعالى: (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا)، وتبين هذه الآية بصفة قطعية أن الحياء سمة ملازمة لهاتين الفتاتين كما استنبطنا فيما تقدم، فأجاب موسى عليه السلام الدعوة، فلما وصل إليه وقص عليه ما كان من شأنه في مصر طمأنه وقال له لا تخف ففرعون ليس له سيطرة على أرض مدين كما جاء في الآية: (فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). هنا طلبت إحدى الفتاتين من أبيها أن يستأجر موسى ليقوم مقامهما في رعي الغنم ويكفيهما العناء والمخاطر، وقد بينت لأبيها المؤهلات التي يمتلكها موسى وأهمها القوة والأمانة كما ورد: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)، فما كان من الأب إلا أن عرض على موسى أن يزوجه إحدى بناته مقابل أن يعمل موسى عنده لمدة لا تقل عن ثماني سنوات ولا تزيد على عشر، وهنا أكثر من إشارة إحداها هو أن الأب عندما وجد الرجل الكفؤ لابنته عرض عليه الزواج منها بغض النظر عن وضعه المادي، والثانية أن الفتاة كانت على علم بمواصفات الزوج الذي ستكون معه أسرة، والثالثة وهي تحديد المهر بما يساوي مجموع أجر راعي الغنم لمدة ثماني إلى عشر سنوات. وقد قمت بإجراء بعض العمليات الحسابية في محاولة لاستنباط مهر الزوجة من قصة موسى عليه السلام آنفة الذكر فوجدت أن أجر الراعي في زمننا يتفاوت من بلد إلى بلد، ففي قطر على سبيل المثال أجرة الراعي، إذا ما اعتبرنا رسوم الإقامة والمصاريف الأخرى، قد تكون في حدود ألف وخمسمائة ريال وهذا يعني أن مجموع راتبه في السنة يساوي ثمانية عشر ألف ريال، وأن اجرة عشر سنوات تساوي مائة وثمانين ألف ريال وهذا متوسط المهور في مجتمعنا، وادعو القارئ الكريم أن يطبق هذه المعادلة الحسابية على مجتمعات أخرى لمعرفة قيمة المهر لكل مجتمع على حدة وستجد العجب. وفي الختام يسعدني أن استقبل ملاحظاتكم وتعليقاتكم على الإيميل أدناه. والله أعلى وأعلم. [email protected]