16 سبتمبر 2025
تسجيلأينما يولي التجار وجوههم، فإنهم يسعون للحصول على امتيازات من المحاكم؛ وذلك حتى يخضعوا لأعرافهم التي يميلون لها، ولاختصاص زملائهم فتطمئن قلوبهم. ويقصد بالاختصاص في هذا الصدد بصفة عامة تحديد المحكمة المختصة بالفصل في النزاع، وهو ما يعني تخصيص أنواع معينة من الدعاوى بالنظر إلى طبيعتها التي تميزها إلى جهة قضائية معينة. والغاية من ذلك تكمن في التحقق من أهلية المحكمة للنظر في الدعوى. وقد انقسمت الدول في هذا الصدد إلى اتجاهين؛ دول تأخذ بمبدأ الفصل بين القضاء المدني والقضاء التجاري؛ كأثر لاستقلال القانون التجاري عن القانون المدني، فتصبح هناك محاكم مختصة في المنازعات المدنية ومحاكم مختصة في المنازعات التجارية دون غيرها. ويساعد الفصل إلى تعود القضاة على فهم طبيعة البيئة التجارية؛ لما له من خصوصية تختلف عن البيئة المدنية، أيضًا توجد بعض المنازعات التجارية التي تحتاج إلى خبرات سابقة. وبالتالي، فإن تخصيص القضاء يؤدي إلى تحقيق كلتا الغايتين. وقد كانت أولى الدول المتصدرة في الأخذ بهذا المبدأ، فرنسا وتلتها الدول الأخرى. بينما لم تأخذ أغلب التشريعات بنظام الفصل بين القضائيين المدني والتجاري؛ والعلة في ذلك أن تخصيص القضاة في المسائل التجارية لا يؤدي إلى إنشاء قضاء تجاري مستقل. أما دولة قطر فلم تلتفت إلى هذا المبدأ إلا مؤخرًا، ولم تأخذ بنظام المحاكم التجارية المستقلة، حيث اعتادت المحاكم على الفصل في المنازعات المدنية، بينما توجد دوائر تجارية في المحاكم الابتدائية للفصل في المنازعات التجارية. والدوائر ما هي إلا تقسيم إداري داخلي بحت للعمل داخل المحكمة؛ وذلك حتى تتيح لبعض القضاة اكتساب الخبرة في نوع معين من المنازعات، كالمنازعات التجارية أو المنازعات الإدارية. وهي بذلك لا تعدّ محاكم مستقلة، وبالتالي لا يمكن الدفع أمام الدوائر المدنية بعدم الاختصاص بناء على أن النزاع تجاري، والعكس صحيح، فلا يمكن الدفع أمام الدوائر التجارية بعدم الاختصاص بناء على أن النزاع مدني. تأسيسًا على ما سبق، نجد أن الدوائر في المحاكم الابتدائية قائمة على فكرة التخصيص الإداري الداخلي، فلا يمكن الدفع بعدم الاختصاص أمام الدائرة التجارية حال طرح نزاع مدني والعكس صحيح، ويقتصر الأمر في هذه الحالة إلى إحالة الدعوى إداريًا إلى الدائرة المعنية للفصل في النزاع. وقد جاء المشرع القطري وأصدر القانون رقم (21) لسنة 2021 بإصدار قانون إنشاء محكمة الاستثمار والتجارة، ونص في المادة (7) من القانون أعلاه، على أنه «فيما عدا الدعاوى والمنازعات التي تختص بالفصل فيها الدوائر الإدارية بالمحكمة الابتدائية واللجان ذات الاختصاص القضائي، تختص الدائرة الابتدائية المشكلة من ثلاثة قضاة، دون غيرها، بالحكم ابتدائيًا في الدعاوى والمنازعات التجارية التالية: المنازعات المتعلقة بالعقود التجارية، بما في ذلك عقود التمثيل التجاري والوكالات التجارية، الدعاوى الناشئة بين التجار المتعلقة بأعمالهم التجارية إلى غير ذلك مما ورد في المادة سالفة الذكر». وهكذا نجد أن محكمة الاستثمار والتجارة تنظر بوجه عام في الدعاوى المتعلقة بالأعمال التجارية ولو وقعت من غير التجار، وسنذكر في مقالات لاحقة تفاصيل وإضاءات عن المنازعات المذكورة أعلاه. ويقوم النزاع دائمًا أمام المحاكم التجارية والمحاكم المدنية جنبًا إلى جنب على موضوع تحديد طبيعة العمل في النزاع القانوني المعروض أمام القاضي، وفي هذه الحالة، يجب منذ البداية تحديد فيما إذا كان العمل مدنيًا أو تجاريًا حتى تتحدد المحكمة المختصة، وكما أسلفنا فإن محكمة الاستثمار والتجارة تختص في النزاعات المتعلقة بالأعمال التجارية، وعليه فإذا رُفعت دعوى متعلقة بعمل تجاري من غير الأعمال المذكورة سابقا أمام محكمة الاستثمار والتجارة، فإنه يتوجب أن تقضي المحكمة بعدم الاختصاص، وذلك لتعلق الأمر بالنظام العام، والعكس صحيح، فلو رُفعت دعوى متعلقة بعمل تجاري من غير الأعمال المذكورة أمام المحاكم المدنية، فحينئذ يكون لها أن تتصدى لهذه الدعوى.